المقومات الشخصية للداعية (1/2)
18 ذو الحجه 1426

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الداعية أمام جمهور الناس، لا بدّ له وأن يكون على هيئة حسنة في كلامه وتصرفاته، حتى يكون داعية ناجحاً، ولما كان كذلك فإنه واجب - ولا محالة – بيان ذلك للناس.
فهو وقت قد تكالبت فيه قوى الشر جميعها بشتى ألوانها وأشكالها على الحركة الإسلامية، يتنافسون فيما بينهم للقضاء عليها. إن الواجب علينا أن نبين الصفات الأصيلة للدعاة من كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسير علماء السلف -رضوان الله عليهم-.
وسوف نتناول بعض الصفات المهمة والخطوط الرئيسة فقط؛ لأن صفات الداعية هي الإسلام كله.

ذكر بعض الآيات الواردة في ذلك والتعليق عليها:
قال -تعالى-: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ" (آل عمران: من الآية159)، قال سيد قطب: فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم، في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم، ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل همومهم، ولا يعنيهم بهمّه، ويجدون عنده دائماً الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والمودة والرضاء. ا.هـ. [الظلال 1/494].

وقال -تعالى-: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" (الأعراف:199)، قال سيد قطب: خذ العفو الميسّر الممكن من أخلاق الناس في المعاشرة والصحبة، ولا تطلب إليهم الكمال، ولا تكلّفهم الشاق من الأخلاق، واعف عن أخطائهم وضعفهم ونقصهم، وبذلك تمضي الحياة سهلة لينة.

فالإغضاء عن الضعف البشري، والعطف عليه، والسماحة معه، واجب الكبار الأقوياء تجاه الصغار والضعفاء. ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- راعٍ وهادٍ ومعلم ومربٍّ، فهو أولى الناس بالسماحة واليسر والإغضاء، وكل أصحاب الدعوة مأمورون بما أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالتعامل مع النفوس البشرية لهدايتها يقتضي سعة صدر، وسماحة طبع، ويسراً وتيسيراً في غير تهاون ولا تفريط في دين الله، وأمر بالعرف: هو الخير المعروف الواضح السليم الذي تقبله الفطر السليمة والنفوس المستقيمة، والنفس حين تعتاد هذا المعروف، فإنها تكون بعد ذلك مطواعاً لألوان من الخير دون تكليف، فرياضة النفوس أولاً تقتضي أخذها بالميسور المعروف شيئاً فشيئاً إلى حد التمام.
وأعرض عن الجاهلين: من الجهالة ضد الرشد، والجهالة ضد العلم، وهما قريب من قريب.

والإعراض يكون بالترك والإهمال، وعدم الدخول معهم في جدال لا ينتهي إلى شيء إلا الشد والجذب، وإضاعة الوقت والجهد، بل إن الإعراض والسكوت عنهم كما هو صريح الآية قد يؤدي إلى تذليل نفوسهم وترويضها، بدلاً من الفحش في الرد، واللجاج في العناد، فإن لم يؤدِّ إلى هذا فإنه يعزلهم عن الآخرين الذين في قلوبهم خير، وما أجدر صاحب الدعوة أن يتبع هذا التوجيه الرباني العليم بدخائل النفوس.

ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشر، وقد يثور غضبه على جهالة الجهال، وسفاهة السفهاء، وحمق الحمقى ولنعلم جميعاً أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قدر عليها، فقد يعجز عنها من وراءه من أصحاب الدعوة، وعند الغضب ينزغ الشيطان في النفس، وهي ثائرة هائجة مفقودة الزمام؛ لذا يأمره ربه أن يستعيذ بالله. ا.هـ. [الظلال 3/1419].

وقال -تعالى-: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (النحل: من الآية125)، لنعلم أن الدعوة، دعوة إلى سبيل الله، لا لشخص الداعي ولا لقومه، فليس له إلا تأدية واجب لله، لا فضل له يتحدث به، لا على الدعوة ولا على من يهتدون به، وأجره بعد ذلك على الله.

الدعوة بالحكمة: إن النظر في أحوال المخاطبين وظروفهم وفي القدر الذي بينه لهم في كل مرة حتى لا يُثقل عليهم وفي الطريقة التي يخاطبهم بها والتنويع في هذه الطريقة تكون حسب مقتضياتها، فلا تستبد به الحماسة والاندفاع والغيرة فيتجاوز الحكمة في هذا كله وفي سواه.

الموعظة الحسنة: بعدم فضح الأخطاء التي قد تقع عن جهل أو حسن نية، والإتيان بخير من الزجر والتأنيب والتوبيخ، فإن الرفق في الموعظة كثيراً ما يهدي القلوب الشاردة، ويؤلف القلوب النافرة.

الجدل بالتي هي أحسن: أن يكون بلا تحامل ولا ترذيل له ولا تقبيح، وفائدته:
أ – اطمئنان المدعو وشعوره بأن هدف الداعي هو الوصول إلى الحق، ليس الغلبة وهزيمة الآخرين.
ب – أنه يطامن من الكبرياء الحساسة والعناد والجدل وشعوره بأن ذاته مصونة، وقيمته كريمة، ولما كانت النفس البشرية تعد تنازلها عن الرأي تنازلاً عن هيبتها واحترامها وكيانها؛ حفظ الله لها ذلك فأمر جدالها بالحسنى.

إنه خوف من اندفاع الداعية بحماسه، أرشدنا إلى الفصل في مسألة مهمة، وهي:
الداعية إذا لم يجد تجاوباً من المدعو، كيف يكون العمل؟
الله هو الأعلم بمن ضل عن سبيله وهو الأعلم بالمهتدين، فلا ضرورة للحاجة في الجدل، إنما هو البيان والبلاغ والأمر بعد ذلك كله لله. [الظلال بتصرف 4/2201-2202].

والله -جل جلاله- قد أبان ذلك في كتابه، فقال: "... وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (المائدة: من الآية41)، وقال: "أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" (فاطر:8)، وقال: "اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ" (المائدة:98، 99).

ذكر بعض الأحاديث الواردة في ذلك والتعليق عليها:
أخلاق الداعية:
عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث مهلكات وثلاث منجيات:
ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المر بنفسه.
وثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضا" حديث حسن، أخرجه البزار والبيهقي والطبراني وغيرهم. [الترغيب 1/286، 3/381]، [الصحيحة 4/412] (1802).

إن الأخلاق المشار إليها هي النبائل كلها، والفضائل جمعاء، هي البعد عن كل سوء، والقرب من كل خير.
ومن الأخلاق السيئة التي ينبغي تجنبها: إعجاب المرء بنفسه! ويزيد ذلك سوءاً إذا وافقه جهل من البعض، فيتّبعون هذا المُعجَب بنفسه -عياذاً بالله-، علماً أنّ مثل الاتباع وحده عند كثير من العلماء الربانيين، مكروه مُستقبَح، فلقد رأى عاصم بن ضمرة قوماً يتبعون رجلاً، فقال: "إنها فتنة للمتبوع؟ مَذلّة للتابع" [أخرجه أحمد في العلل 2/16].

فكيف بمُعجَب بنفسه، يطعن بغيره، ليكثِّر أتباعه! فمثل هذا يجمع سوءاً على سوء على سوء!!
فأخلاق الداعية الفاضلة تدفعه دفعاً حثيثاً لأن يحافظ على:
سياج الدعوة:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَفْرُك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" [حديث صحيح، أخرجه مسلم 1469].
إن هذا الأدب الذي أرشد إليه -صلى الله عليه وسلم- ينبغي سلوكه واستعماله مع جميع المعاشَرين والمعامَلين فإن نفعه الديني والدنيوي كثير، وصاحبه قد سعى في راحة قلبه، والكمال في الناس متعذّر، وحسب الفاضل أن تُعد معايبُه. إن من لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- بل عكس القضية، فلحظ المساوئ، وعمي عن المحاسن، فلا بد أن يقلق ويتكدّر ما بينه وبين من يتصل به من المحبة، ويتقطّع كثير من الحقوق التي على كلٍّ منهما المحافظة عليها ثم لا ننسى أن هذا الحديث أصل في معاملة الزوجة وكل من بينك وبينه عَلَقة واتصال وأنه لا بد من الإغضاء عن المساوئ وملاحظة المحاسن وبهذا تدوم الصحبة والاتصال وتتم الراحة. إن معرفة الداعية لسياج الدعوة يجعله بالمحل الأعلى من: [الوسائل المفيدة للسعدي ص25].

تقدير الأمور:
عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة! لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، لأمرتُ بالبيت فهُدِم، فأدخلتُ فيه ما أخرج منه، وألزمته بالأرض، وجعلت له بابين: باباً شرقياً، وباباً غربياً، فبلغتُ به أساس إبراهيم" [أخرجه البخاري 3/439 (1586)، ومسلم 9/91].

فبتقدير الأمور يوضع كل شيء في نصابه، وتتجلى حكمة الداعية في أعلى صورها، فلا يُضخِّم صغيراً، ولا يصغِّر عظيماً، ويتأمل السياسة الشرعية في سائر أفعاله.
فنحن لا نسكت عن الحق وتبليغ السنة، وفي الوقت نفسه، نبلِّغها بكل حكمة وبكل أسلوب حسن، فإذا رأينا أن هناك أشياء عكسية حصلت أو ستحصل، اكتفينا بالذكرى "فإن الذكرى تنفع المؤمنين".

وهذا هو أسلوب النبي -صلى الله عليه وسلم- في:
طريقة التربية.
عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة! إن الله رفيق يحب الرفق، ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه" [أخرجه مسلم 16/146].
فالمنهج إذاً: الدعوة برفق ويسر ولين، والبُعد عن العنف والشدة والقسوة، فبهذا يستجيب لنا الناس والمدعوّون في الدنيا، ونحظى برضا الله وعفوه في الآخرة.

ومن الأمور الكلية التي ينبغي معرفتها:
الفرق بين النظرية والتطبيق:
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رأيت ليلة أُسري بي رجالاً تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: الخطباء من أمتك، يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون؟" [حديث حسن أخرجه ابن حبان وأبو يعلى وأحمد وغيرهم وصحّحه الألباني (الصحيحة 1/524 برقم 291)].

وهذه قضية من أهم ما يواجهها الدعاة إلى الله -سبحانه-، فترى الداعية أو الخطيب يتحدّث عن الزهد وهو عنه بمعزل، أو يتكلم عن الغيبة وهو لها صاحب ورفيق، أو يذكّر بالآخرة وهو آخر من يُفكّر فيها أو يُعدّ لها!! إنهم خطباء قوالون، ومن كان كذلك فالخوف عليه كبير، والبُعد عنه مغنم وفير، إلا لنصح أو تذكير! [الأربعون حديثاً في الدعوة والدعاة، لعلي حسن علي عبد الحميد، 50-61].

عوامل في تكوين شخصية الداعية:
1 – أن يتصوّر الشاب الأخطار المحدقة التي تكتنف بلاد الإسلام:
إن من الأمور التي يجب أن تدركوها أيها الشباب أن المخططات التي تُتخَذ في أوكار الصهيونية والماسونية والصليبية والشيوعية والاستعمار أكثر من أن تُحصى، وكلها تستهدف إفساد المجتمعات الإسلامية عن طريق الخمر والجنس وإطلاق عنان الغرائز والشهوات، إن المرأة عند هؤلاء هي أول الأهداف في هذا الميدان الماكر، فهي العنصر الضعيف العاطفي التي تنساق وراء الدعاية والفتنة والإغراء بلا رويّة ولا تفكر.

ومما قاله القس زويمر في مؤتمر المبشرين الذي عُقِد منذ أكثر من 60 سنة في جبل الزيتون في القدس: (إنكم أعددتم نشئاً في ديار المسلمين لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقاً ما أراد له الاستعمار، لا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة والكسل، ولا يصرف همه في دنياه إلا في الشهوات، فإذا تعلّم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات...).

وجاء في بروتوكولات أشقياء صهيون ما يلي (يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان، فتسهل سيطرتنا، إن فرويد منا، وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدّس، ويصبح همّه الأكبر هو إرواء غريزته الجنسية، وعندئذ تنهار أخلاقه).

بل وصل الأمر باليهود أيها الشباب أن رسموا لإفساد الإنسانية منهجاً أخذوا في تنفيذه عن طريق وسائل الإعلام ودور النشر وغيرها، واستطاعوا بمكرهم وخبثهم أن يفسدوا الشعوب عن طريق الثقافات العامة والفنون والملاهي ودور الدعارة وأشباهها، كما أنهم استطاعوا بدهائهم وتلاعبهم أن يستولوا على كراسي علم النفس وعلم الاجتماع في كثير من جامعات أمريكا وأوروبا وذلك بغرض إفساد عقائد الناس وأخلاقهم؛ فاستولوا على ما يقرب من 90% من هذه الكراسي، لتتم لهم القيادة الفكرية والفلسفية في العالم كله، ويجب ألا يغيب عن البال أنّ من أعظم هذه المخططات التي تسيّرها الماسونية واليهودية والاستعمار في بلاد الإسلام في العصر الحديث إقامة دولة إسرائيل في قلب البلاد العربية التي هي مهد الإسلام وقلبه النابض.

إن أحلام اليهود وآمالهم ومؤامرتهم الكبرى تمتد من الفرات إلى النيل بل الاستيلاء على المدينة المنورة والمسجد الحرام كما صرّح بذلك موشى ديان.
أيها الشباب: أقولها كلمة صريحة مدوية: لا استقرار في بلاد الإسلام، وإسرائيل موجودة قائمة... لا سلام ولا أمن في البلاد العربية، وإسرائيل تفرض وجودها، وتنفّذ يوماً بعد يوم مخططها!!

إنها السرطان الذي ينمو شيئاً فشيئاً في جسم الأمة الإسلامية.. إنها الأفعى التي تنفث سمومها في أجواء العالم الإسلامي، ولا يمكن للسرطان أن يبرأ إلا بالاستئصال، ولا يمكن للأفعى أن يُمنَع أذاها إلا باقتلاع شوكة السُّم المتأصلة فيها، إنه لا بد للشباب من معرفة الغزو من الداخل عن طريق العملاء، وعبيد الفكر الغربي، والأحزاب الموالية من ليبرالية، ويسارية.. وعن طريق الفِرَق المنشقة على الإسلام كالبهائية والقاديانية، والنصيرية، والإسماعيلية، والدرزية، وغيرها من الفرق الباطنية الكافرة.
إن الشباب حين يعلمون أبعاد هذه المؤامرات؛ ويدركون وسائل هذه المخططات... يكون اندفاعهم للإصلاح أقوى، ويكون تحركهم للدعوة إلى الله أعظم.

2 – أن يتفاءل الشاب بالنصر؛ ويقطع من إحساسه دابر اليأس والقنوط:
أيها الشباب: صحيح أن الدول الغربية عامة، وأمريكا خاصة هي التي صنعت إسرائيل.
وصحيح أن الاستعمار له وسائله وأساليبه في إخراج المسلم من الإسلام، وإدخاله في تيار اللادينية والإباحية.
وصحيح أن الشيوعية العالمية لها مخططها الأكبر في تلحيد الجيل المسلم وإفساد خلقه وعيدته.
وصحيح أن اليهودية العالمية لها مخططاتها وأساليبها في القضاء على الأديان غير اليهودية، والسيطرة على العالم العربي والإسلامي، وصحيح أن الدول الكبيرة في العالم سواء أكانت شرقية أو غربية تعمل جاهدة لتقوية إسرائيل، وتحرص على وجودها لغايات سياسية، وأهداف اقتصادية، ومصالح ذاتية، صحيح أن التآمر على الإسلام وأهله بلغ هذا الحد الكبير والمدى الواسع...

ولكن ينبغي على المسلمين ولا سيما الشباب ألا يتملكهم القنوط في بناء العزة، وأن لا يستحوذ عليهم اليأس في تحقيق النصر، وذلك:
أ – لأن القرآن الكريم حرّم اليأس، وندّد باليائسين، قال -تعالى-: "وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف: من الآية87) فجعله قريناً للكفر، وقال: "قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ" (الحجر:56) فجعله قريناً للضلال، إن اليأس قاتل للرجال، وهازم للأبطال، ومدمر للشعوب.

إن اليأس لا يجوز في دين الله، قال أحمد شوقي:



فعلم ما استطعت لعل جيلاً سيأتي يحدث العجب العجابَ
ولا ترهق شباب الحي يأساً فإن اليأس يخترم الشبابَ

أيها الشباب: احذروا من وجهات النظر اليائسة التي تقول "انتهى كل شيء وعجزنا"، "الزم حلس بيتك فليس في الجهاد فائدة"، "نحن اليوم في آخر الزمان".

إن هذه الطائفة اليائسة عندما تتبنى هذه الوجهة من اليأس والقنوط، إنما تُدلِّل على هلاكها لا على هلاك المسلمين. قال -صلى الله عليه وسلم-: "من قال هلك المسلمون فهو أهلكهم" [حديث صحيح، أخرجه مسلم 16/175]. والعجيب أن تجد من يتصدى للدعوة والإرشاد من ينادي بالعزلة الكاملة، والتزام أحلاس البيوت؛ اعتقاداً منهم أن لا سبيل إلى إصلاح هذه الأمة، وأن لا أمل إلى استعادة مجدها، واسترجاع عزتها وكيانها... وآن الأوان في نظرهم أن يخرج المسلم ببضع غنيمات يتّبع بها شعف الجبال... يفر بدينه من الفتن حتى يدركه الموت!!

صحيح أيها الشباب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن" [حديث صحيح أخرجه البخاري 1/69] وغيره.
ولكن الحديث محمول على من يُفتَن في دينه، ويُجبَر على الردّة!!
أما ما دام أنه توجد جماعات إسلامية تدعو إلى إقامة حكم الله في الأرض، فإنه يجب على المسلمين التعاون لإقامة حكم الله في ربوع الإسلام، وأن يحرّروا الأرض المقدسة من براثن يهود، وأن يسعوا في تكوين وحدة المسلمين الكبرى تحت ظل الخلافة الراشدة.

ب – لأن التاريخ برهن على انتفاضات الأمم المنكوبة في وجه أعدائها:
من كان يظن يا شباب أن تقوم للإسلام قائمة في الأيام الأولى التي انتقل فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى، ففي هذه الأيام عظم الخطب، واشتد الحال، ونجم النفاق، وارتد من ارتد من أحياء القرب، وظهر مدّعوا النبوة، وامتنع قوم عن أداء الزكاة، ولم يبق للجمعة مقام في بلد سوى مكة والمدينة.

وأصبح المسلمون كما يقول عروة بن الزبير رضي الله عنه: "كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية لفقد نبيهم، وقلة عددهم وكثرة عدوهم" حتى وُجد من المسلمين من قال لأبي بكر -رضي الله عنه-: "يا خليفة رسول الله: اغلق بابك، والزم بيتك، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين"!!

ولكنّ أبا بكر -رضي الله عنه- لم يعتره اليأس، ولم يمتلكه القنوط.. وإنما واجه هذه الأحداث والفتن بإيمان راسخ يزن الجبال، وبعزيمة ثابتة متينة دونها العواصف الهوج، وبتفاؤل وأمل يعيد للإسلام إشراقه، ولوحدة المسلمين تماسكها!! هو الذي قال: "أينقص الدين وأنا حي" وهو الذي وقف في وجه عمر، وصاح حين جاءه يعاتبه في قتال مانعي الزكاة "مَه يا عمر، رجوت نصرتك، وجئتني بخذلانك!! أجبار في الجاهلية، وخوار في الإسلام، ماذا عسيتُ أن أتألفهم بسحر مفتعل أو بشعر يفترى؟ هيهات، هيهات... مضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانقطع الوحي، فوالله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي، فوالله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فوالله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليه"!! وهو الذي أنفذ جيش أسامة وقال: "ما كنت أحل عقداً عقده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده". هكذا أيها الشباب تغلّب أبو بكر -رضي الله عنه-على الصعاب؛ وقضى على الثورات والفتن، وانتصر على المرتدين ومدّعي النبوة، ومانعي الزكاة، حتى استطاع أن يرجع للمسلمين عزتهم ووحدتهم، ولليائسين تفاؤلهم وأملهم، وللخلافة هيبتها وسلطانها...
وهكذا يصنع أقوياء الإيمان، وعظماء الرجال!!

من كان يظن أيها الشباب أن تقوم للمسلمين قائمة لما استولى الصليبيون على كثير من البلاد الإسلامية، والمسجد الأقصى ما يقارب مائة عام، حتى ظن الكثير من الناس أن لا أمل في انتصار المسلمين على الصليبيين، وأن لا رجاء في رد أرض فلسطين مع مسجدها الأقصى إلى حوزة المسلمين.
من كان يظن أن هذه البلاد ستتحرر في يوم ما، على يد البطل المغوار (صلاح الدين) في معركة حطين الحاسمة، ويصبح للمسلمين من الكيان والقوة والعزة والسيادة ما شرّف التاريخ!!
من كان يظن أن تقوم للمسلمين قائمة لما خرّب المغول والتتار العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، ونهبوا الأموال، وداسوا القيم، وفتكوا في الأنفس والأعراض فتكاً ذريعاً؛ حتى قيل: إن جبالاً شامخة، وأهرامات عالية، أقامها (هولاكو) من جماجم المسلمين!!

ومما قاله المؤرخ (ابن الأثير الجزري) في فداحة هذا المصاب: "لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها؛ فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني!! ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً!!".
من كان يظن – أيها الإخوة – أن بلاد الإسلام ستتحرّر في يوم ما على يد البطل المقدام (قطز) في معركة (عين جالوت) الحاسمة، ويصبح للمسلمين من العظمة والمجد والرفعة.. ما تفخر به الأجيال!!
وهكذا يصنع أقوياء الإيمان، وعظماء الرجال!!

إن التفاؤل بالنصر – أيها الشباب – هو الذي يهيئ النصر، ويحقق المزيد من الانتصارات الحاسمة في كل زمان ومكان.. وإن الله _جل جلاله_ مع المتقين المخلصين المجاهدين، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والحافظين لحدود الله "وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ" (القصص:5)، فما عليكم يا شباب الإسلام إلا أن تقطعوا من نفوسكم دابر اليأس والقنوط، وتقبلوا على الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله، بروح متفائلة، وأمل بسّام... عسى الله أن يحقق على أيديكم نصر الإسلام الأكبر، ودولة المسلمين العتيدة.. وما ذلك على الله بعزيز..

ونستكمل في الحلقة القادمة _بإذن الله_، الحديث عن صفات الداعية إلى الله، كما يجب أن تكون.