" الآداب " .. بين توجيهات الشرع وانحرافات الناس
11 ذو القعدة 1427
د. خالد رُوشه

[email protected]
يخجل المرء عندما يريد أن يكتب عن مستوى الأدب الذي صار إليه الناس في هذه الأيام, وكذلك مستوى الأدب الذي صار إليه شباب أمة الإسلام.
ولقد حاولت أن أرقب مستوى الآداب من حولنا حتى لا أكون جائرًا في حكمي - إذا حكمت - فما رأيت ما يُعدل فكرتي ولا ما يحسن وجهتي.
فقد رأيت شدة الغضب في غير حلم, بدرجة تنفر الحبيب من حبيبه والقريب من قريبه, والرجل من زوجته والزوجة من زوجها, وقد يزداد الغضب إلى درجات أكبر فيحصل ما هو أكبر, وبحثت عن الحلم فما وجدت أهله, أو ربما هناك بعضهم ولكنهم لقلتهم قد تاهوا في وسط أهل الغضب.
ورأيت الجبن في غير شجاعة, إلى حد أن يجبن فيها السائر في الطريق عن إنقاذ جريح خوفًا من المساءلة, ويجبن فيها الناس عن كلمة إنكار لفعل قبيح في الطريق, ويجبن فيها آخرون عن جلوس مجلس علم في مسجد!!
ورأيت الجور والظلم في غير عدل, بدرجة لا يقوى فيها المظلوم أن يبث شكواه أمام الظالم, ويُغَير فيها المظلوم أهدافه وطريقة حياته خوفًا من الظالم.
ورأيت الشهوانية بغير عفة, إلى حد أن يتتبع الشاب موقع العري والفجور ويدفع في سبيله ماله, وبدرجة أن يسهر آخرون حتى الصباح على مشاهدة الفجور, ولحد أن تغزو المجتمع الإسلامي أفكار المثلية الجنسية واللواط ..وإلى حد أن يجتمع مئات الشباب في الشوارع لينهشو لحم أي فتاة تمر ويهتكوا سترها – كما حدث في بلد عربي كبير قبل أيام -
ورأيت البخل في غير كرم, إلى حد أن تقوم أسرة مسلمة عددها ثمانية أفراد شهريًا لا تجد أكثر من ثمن الخبز, وجارها يركب أفخر السيارات ويشتري حذاءه بثمن خمسة أشهر من قوت جيرانه!!
ورأيت الصراع على المال إلى حد أن يفقد الأخ أخاه والحبيب حبيبه من أجل المال.
كل ذلك ظاهر معروف معلوم لا يحتاج لبصيرة نافذة كي يُعرف وهو في ديار الإسلام يختلف باختلاف أحوال البلد.
وقـد يقول قائل: لا تنظر إلى السوء ولكن أنظر إلى الخير. وأقول له: إنني لا أشك في وجود الخير, ولكن النوع الآخر قد طغى وغطى وانتشر, والخير يأرز إلى أهل الغربة ويسكن عندهم, وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ, فطوبى للغرباء) رواه مسلم عن أبي هريرة
فحاولت في تلك النظرة أن أذكر القارىء بأهم مواقع الأدب والخلق وتوجيهات الإسلام العظيم فيهما ثم أن أنظر إلى أدب الصالحين ثم أعود إلى واقعنا المرير وأتساءل عن الأسباب والدواقع ..

1- القرآن يأمر بالأدب:

قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: 90].
وقال سبحانه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}
[الأعراف:199]
وقال سبحانه: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}
[لقمان: 17]
وقال سبحانه: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
[المائدة: 13]
وقال سبحانه: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].
وقال سبحانه: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134].

2- آدابه صلى الله عليه وسلم :

قال الله عنه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4].
* وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم حسن خَلقي وخُلقي) أخرجه أحمد (6/68).
* وكان يقول صلى الله عليه وسلم: (اللهم جنبني منكرات الأخلاق) أخرجه الترمذي
وكان صلى الله عليه وسلم: أحلم الناس, وأشجع الناس, وأعدل الناس, وأعف الناس, لم تمس يده قط يد امرأة لا تحل له, وكان أسخى الناس لا يبيت عنده دينار ولا درهم, وإن فضل شيء ولم يجد من يعطيه وفجأه الليل لم يأو إلى منـزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه, لا يُسأل شيئًا إلا أعطاه, وكان يخصف نعله ويرقع ثوبه ويخدم أهله, وكان أشد الناس حياءً لا يثبت بصره في وجه أحد.
ويجيب دعوة الحر والعبد, ويقبل الهدية ولو كانت جرعة لبن, ولا يأكل الصدقة ولا يستكبر عن إجابة الأمة والمسكين.
يغضب لربه ولا يغضب لنفسه أدبًا, وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع, يأكل ما حضر ولا يرد ما وجد, لا يأكل متكئًا ولا على خوان.
لم يشبع من خبز بُر ثلاثة أيام متوالية حتى لقي الله تعالى, وكان أشد الناس تواضعًا وأسكتهم في غير كبر وأحسنهم بشرًا, لا يهوله شيء من أمور الدنيا, يركب الحمار ويردف خلفه عبده أو غيره.
يعود المرضى في أقصى المدينة, يحب الطيب, ويجالس الفقراء ويؤاكل المساكين, ويكرم أهل الفضل ويصل رحمه, ولا يجفو على أحد, يقبل معذرة المعتذر, يمزح ولا يقول إلا صدقًا.
لم يرتفع على خدمه في مأكل ولا ملبس, لا يمضي له وقت في غير عمل لله تعالى أو فيما لابد منه من صلاح نفسه, لا يحتقر مسكينًا لفقره, ولا يهاب ملكًا لملكه, قد جمع الله تعالى له السيرة الفاضلة والسياسة التامة, ما ضرب بيده أحدًا أبدًا, إلا أن يضرب بها في سبيل الله, وما انتقم من شيء إلا أن تنتهك حرمات الله , وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما, صلى الله عليه وسلم

3- بين العلم والأدب:

لا أدب إلا بعلم, ولا ينفع العلم بغير أدب, بل العلم بغير أدب قد يضر صاحبه فيهلكه, روى الذهبي عن محمد بن إبراهيم بن سعيد قال: "من أراد العلم والفقه بغير أدب فقد اقتحم أن يكذب على الله ورسوله".
والأدب هو القيد الحسن الذي يقيد الأخلاق عن الانحراف والجنوح والشطط, ومن لا أدب له لا صحبة له ولا أخوة, وينفض الناس من حوله, ويبغضه أقرب الناس إليه, وعديم الأدب تسيطر عليه نفسه فتدفعه إلى هواها فيقع في المحظور، وقليل الأدب لا يبدو عليه العلم مهما تعلم, ولكن تراه كالحمار يحمل أثقالاً.
وجدير بشباب أمة الإسلام وطلبة العلم الإسلامي الذين حرصوا على جمع العلم وتحصيله أن يتعلموا الأدب ويبذلوا جهدهم في تحصيله والتخلق به, ولو احتاج ذلك منهم إلى أوقات كثيرة؛ لأنه باب العلم والطريق إليه, قال يوسف ابن الحسين: بالأدب تتفهم العلم, وبالأدب تحمل العلم, وبالعلم يصح لك العمل, وبالعمل تنال الحكمة.
ومن الآداب ما هو واجب وتركه محرم, ومنها ما هو مستحب وتركه مكروه, لذا فإن العلم لا يكفي لتربية النفس إن لم يكن مقترنًا بالأدب وملفوفًا في ثوبيه.
والأدب لطالب العلم يستر عورته ويخفي سوءته, وهو للعالم يرفع درجته ويُعلي شأنه ويكثر بين الناس أحبابه ومريديه وتلامذته.
وصدق الحكيم الذي قال: "أدب السائل أنفع من الوسائل".
والأدب للدعاة إلى الله سبحانه أمر لازم يحتاجه الداعية كحاجته للسانه وقلمه بل قد يزيد, وإنه لمما يحزن أنك ترى بعض الدعاة إلى الله سبحانه قد عافوا الأدب وأعرضوا عنه, وولغوا في قصعة السفهاء والجهال.
فقلدوهم في طريقة حديثهم, فلا تسمع منهم إلا صوتًا صاخبا, وألفاظًا سفيهة تافهة يقلدون بها الجهال, وتعلو أصواتهم بالقهقهة والمزاح الخارج, وقلدوا الجهال في السخرية من الناس ورفع مقام ذوي المال والسلطان وتنزيل مقامات أهل العلم والإيمان .
وقلدوا الجهال في ترك معالي الأهداف والمبادئ وسحبتهم الأموال, فتصارعوا عليها, بل استساغ بعضهم أن يفقد دعوته وينسلخ من طريقه الذي سار فيه سنين طويلة يتعلم ويدعو إلى الله, لا لشيء إلا لإغراء المال... ولعمري إذا فسد أدب هؤلاء من إذن ينتظر منه أن يعلم الناس الأدب والأخلاق ؟!

4- رأس الأدب الحياء:

الحياء رأس الأدب, وخلق الإسلام, ومن أبرز الصفات التي تنأى بالمرء عن الرذائل وتحجزه عن السقوط إلى سفاسف الأخلاق وحمأة الذنوب, كما إنه من أقوى البواعث على الفضائل وارتياد معالي الأمور, وعلى حسب حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء.
وقلة الحياء من موت القلب والروح, فكلما كان القلب أحيى كان الحياء أتم, ويكفي الحياء خيرًا كونه على الخير دليلاً, إذ مبدأ الحياء انكسار وانقباض يلحق الإنسان مخافة نسبته إلى القبيح, ونهايته ترك القبيح, قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الحياء لا يأتي إلا بخير) متفق عليه
وضد الحياء: الوقاحة, وهي مذمومة في كل الناس, ومن حرم الحياء هجمت عليه الوقاحة فأسرته في صفها, قال مالك بن دينار: "ما عاقب الله تعالى قلبًا بأشد من أن يسلب منه الحياء".
وقال سفيان بن عيينة: "لا يخاف العبد حتى يستحي, وهل دخل أهل التقوى في التقوى إلا من الحياء".
* أما كيف نولد الحياء في قلوبنا؟ فهو بأمرين: تذكر نعمة الله, ومعرفة تقصيرنا في حقه.
لما احتضر الأسود بن يزيد بكى, فقيل له: ما هذا الجزع؟ فقال: "ما لي لا أجزع ومن أحق بذلك مني؟ والله لو أتيت بالمغفرة من الله تعالى لأهمني الحياء منه مما صنعت, إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه, ولا يزال مستحيًا منه".
وشهد الفضيل بن عياض موقف عرفات, فرفع رأسه إلى السماء وقد قبض على لحيته وهو يبكي بكاء الثكلى ويقول: "وا سوأتاه منك, وإن عفوت".
وقال الفضيل: "خمس من علامات الشِّقوة: القسوة في القلب, وجمود العين, وقلة الحياء, والرغبة في الدنيا, وطول الأمل".
وهذا الفاروق عمر رضي الله عنه يقول: "من قل حياؤه قل ورعه, ومن قل ورعه مات قلبه, من استحيا استخفى, ومن استخفى اتقى, ومن اتقى وقى".
وعن الحسن رحمه الله - وذكر عثمان رضي الله عنه وشدة حيائه - قال: "إن كان ليكون في البيت والبيت عليه مغلق, فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء, يمنعه الحياء أن يقيم صلبه".
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: "إني لأغتسل في البيت المظلم فما أقيم صلبي حتى آخذ ثوبي حياء من ربي عز وجل".
وعلى المرء الصالح أن يستحي من الله سبحانه ثم من ملائكته ثم من الناس ونفسه.
قال ابن القيم رحمه الله: "قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: إن معكم من لا يفارقكم فاستحيوا منهم وأكرموهم". وقد نبه سبحانه على هذا المعنى فقال: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}[الانفطار:10-12] أي: استحيوا من هؤلاء - الملائكة - الحافظين الكاتبين وأجلوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه من هو مثلكم, والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم, فإن كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه وإن كان يعمل مثل عمله, فما الظن بأذى الملائكة الكرام الكاتبين؟ والله المستعان"الداء والدواء.
* وعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما كرهت أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت) الصحيحة للألباني.
* وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه: (استحيوا من الله حق الحياء), قالوا: إنا نستحي يا رسول الله, قال: (ليس ذاكم, ولكن من استحيا من الله حق الحياء: فليحفظ الرأس وما وعى, وليحفظ البطن وما حوى, وليذكر الموت والبلى, ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا, فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء) رواه أحمد والترمذي.

5- أدب اللسان:

لقد ندبنا الله سبحانه إلى اختيار أحسن الكلام وأكرمه وأصفاه وأكمله حيث قال سبحانه: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} , ثم بين سبحانه أن النزول عن درجة التي هي أحسن في الكلام يعطي فرصة للشيطان أن يوقع بين الناس فقال سبحانه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً} [الاسراء: 53].

هل نؤاخذ بما نقول؟

* عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: هل نؤاخذ بما نقول؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (وهل يكب الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟) أخرجه أحمد والنسائي والترمذي.
* وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) متفق عليه.
لا تتكلم فيما لا يعنيك:
إن سبب الكلام فيما لا يعني حرص الإنسان أن يعرف ما لا حاجة له به, أو قضاؤه الأوقات في الحكايات التي لا فائدة فيها, أو فضوليته لمعرفة أحوال غيره أو استشراف ما خبئ عنه, وكلها أخلاق مذمومة ينبغي على أهل الإسلام التطهر منها والتنزه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه.

الكلمة الموبقة:

وهي كلمة المعصية, يقولها الإنسان وقد لا يهتم بها, وقد ينساها, ولكن ربك لا يضل ولا ينسى, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة) أخرجه أحمد والترمذي
ليس المؤمن هكذا:
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء) أخرجه أحمد
والطعان الذي يطعن في خلق الناس وفي أعمالهم وصفاتهم بالسوء, واللعان الذي يكثر اللعن في كلامه وحديثه, والفاحش الذي لا يستحي من ذكر الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة, والبذيء هو عديم الحياء, فتأمل هذا الحديث وأدب نفسك بآدابه... تتأدب .

هل تمزح ؟

لا يليق بطالب العلم ولا الدعاة إلى الله كثرة المزاح والمداومة عليه والإفراط فيه؛ فإن الأمة الجادة لا تعرف المزاح, والمداومة على المزاح تسقط الهيبة والوقار, وتسبب كثرة الضحك, وأما الذي يليق بأهل الإيمان ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم, عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أمزح ولا أقول إلا حقًا) أخرجه الطبراني في الكبير, وصححه الألباني.
وقال عمر بن الخطاب: من مزح استخف به, وقال سعيد بن العاص لابنه: يا بني لا تمازح الشريف فيحقد عليك (يضيق صدره منك), ولا تمازح الدنيء فيجترئ عليك.
المؤمن لا يكذب: فالكذب في الكلام - ولو كان بكلمة واحدة - من قبائح الذنوب وفواحش العيوب, قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إياكم والكذب, فإنه مع الفجور وهما في النار) أخرجه أحمد وابن ماجه

ما الغيبة؟

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : (الغيبة ذكرك أخاك بما يكرهه) أخرجه مسلم
قال القاسمي: "حد الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه سواء ذكرته بنقص في بدنه أو نسبه أو في خلقه أو فعله أو في قوله أو في دينه أو في دنياه حتى في ثوبه وداره ودابته".
هل الغمز من الغيبة؟
قال في موعظة المؤمنين: "وإنما حرم الذكر باللسان - الغيبة - لما فيه من تفهيم الغير نقصان أخيه وتعريفه بما يكرهه, ولذا كان التعريض به كالتصريح, والفعل فيه كالقول, والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة, وكل ما يُفْهِم المقصود فهو داخل في الغيبة وهو حرام".
هل أرد غيبة أخي؟
إذا جلست مجلسًا ذُكر فيه أخوك بما يكره وجب عليك أن ترد غيبته, فعن جابر بن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئ مسلم ينصر مسلمًا في موضع ينتهك فيه عرضه ويستحل حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصره, وما من امرئ خذل مسلمًا في موطن تنتهك فيه حرمته إلا خذله الله
في موضع يحب فيه نصرته)أخرجه أحمد وأبو داوود, وفي رواية: (من رد عن عرض أخيه بالغيب كان حقًا على الله أن يرد عن عرضه يوم القيامة).
6- ثورة الغضب:
إن الغضب شعلة نار مستكنة في الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد, ويستخرجها الشيطان اللعين ويزكيها داء الكبر في قلب الغضبان.
والغضب مفتاح كل شر, وقال الحكماء: رأس الحمق الحدّة وعموده الغضب. وقال الحسن: المؤمن لا يغلبه الغضب.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أوصني. قال صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب), فكرر مرارًا, فقال: (لا تغضب)البخاري.
هل يمكن زوال الغضب؟
نسمع كثيرًا من الناس يصفون أنفسهم بشدة الغضب ولا يجدون لذلك دواءً, وقد بين العلماء أن زوال الغضب يكون بالتدريب على ذلك ورياضة النفس عليه، فمن عود نفسه التحلم صار - بطول الوقت - حليمًا, وإنما الحلم بالتحلم, وليس التدريب ورياضة النفس لينعدم الغضب, ولكن ليستعمله على حد يستحبه الشرع, فيكون في محاب الله وليس انتصارًا للنفس, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم)حسنه الألباني.
7- الرفق الجميل:
إذا كان الغضب والشدة نتيجة الفظاظة والغلظة, فإن الرفق واللين نتيجة حسن الخلق والأدب, ولا يرفق إلا مؤدب, ولأجل هذا فقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الرفق وبالغ في الثناء عليه.
* فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الله أهل بيت أدخل عليهم الرفق)أخرجه أحمد.
* وعن عائشة أيضًا رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليك بالرفق؛ فإنه لا يدخل في شيء إلا زانه, ولا ينزع من شيء إلا شانه)أخرجه مسلم
وما أجمل طالب العلم والداعية إلى الله إذا اتصف بالرفق, ما أجمله! ما أجمله!
8- من آداب الصالحين :
روى الذهبي أن جابر بن عبد الله قال: قال عمر بن الخطاب: "أبو بكر سيدنا أعتق بلالاً سيدنا".
وذكر الذهبي عن معاذ قال: "ما بزقت عن يميني منذ أسلمت".
وعن أبي رزين قال: قيل للعباس: أنت أكبر أو النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو أكبر وأنا ولدت قبله.
قال الذهبي: وورد أن عمر عمد إلى ميزاب للعباس على ممر الناس فقلعه, فقال له العباس: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي وضعه في مكانه, فأقسم عمر: لتصعدن على ظهري ولتضعنه موضعه.
وعن أبي سلمة أن ابن عباس قام إلى زيد بن ثابت, فأخذ له بركابه, فقال: تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: هكذا نفعل بعلمائنا.
وروى الذهبي عن مغيرة قال: خرج عديٌ وجرير البجلي وحنظلة الكاتب من الكوفة, وقالوا: لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان.
وعن عبد الرحمن بن رزين قال: أتينا سلمة بن الأكوع, فأخرج إلينا يدًا ضخمة كأنها خف البعير, فقال: بايعت بيدي هذه رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فأخذنا يده فقبلناها.
وكان علي بن الحسين إذا سار في المدينة على بغلته, لم يقل لأحد: الطريق, ويقول: هو مشترك ليس لي أن أنحي عنه أحدًا.
قال سفيان بن عيينة: لما مات مسلم بن يسار قال الحسن البصري: وامعلِّماه.
وقال ابن جريج عن عطاء: إن الرجل ليحدثني بالحديث, فأنصت له كأني لم أسمعه وقد سمعته قبل أن يولد.
وعن أيوب قال: قيل لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين, لو أتيت المدينة؛ فإن قضى الله موتًا في موضع القبر الرابع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال: والله لأن يعذبني الله بغير النار أحب إليّ من أن يعلم من قلبي أني أراني لذلك أهلاً.
وعن عاصم بن أبي النجود قال: ما قدمت على أبي وائل من سفر إلا قبَّل كفِّي.
وقال أبو زرعة: كنت عند أحمد بن حنبل, فذكر إبراهيم, وكان متكئًا من علة فجلس, وقال: لا ينبغي إن ذكر الصالحون فيُتكأ.
وعن يحيى بن يمان قال: كان سفيان الثوري إذا قعد مع إبراهيم بن أدهم تحرز من الكلام (تأدبًا).
قال أبو مصعب: سمعت مالكًا يقول: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك.
وقال: كان مالك لا يُحدث إلا وهو على طهارة إجلالاً للحديث.
وقال ابن وهب: ما نقلنا من أدب مالك أكثر مما تعلمنا من علمه.
وعن مالك قال: ما جالست سفيهًا قط.
وعن مالك قال: إن الرجل إذا ذهب يمدح نفسه ذهب بهاؤه.
وعن ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: حق على من طلب العلم أن يكون له وقارٌ وسكينة وخشية.
وقال عبد الله بن صالح: صحبت الليث عشرين سنة, لا يتغذى ولا يتعشى إلا مع الناس.
وسئل ابن المبارك بحضور سفيان بن عيينة عن مسألة فقال: إنا نهينا أن نتكلم عند أكابرنا.
قال إبراهيم بن الأشعث: رأيت سفيان بن عيينة يُقبل يد الفضيل مرتين.
وقال سَلْم بن جنادة: جالست وكيعًا سبع سنين, فما رأيته بزق ولا مس حصاة ولا جلس مجلسًا فتحرك, وما رأيته إلا مستقبل القبلة وما رأيته يحلف بالله.
قال الفلاس: ما سمعت وكيعًا ذاكرًا أحدًا بسوء قط.
وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول: ما شبعت منذ ستة عشرة سنة.
وقال الشافعي: لو أعلم أن الماء البارد ينقص مروءتي ما شربته.
وقال أبو إسحاق الجوزجاني: سمعت يحيى بن معين يقول: الذي يحدِّث ببلد به من هو أولى بالتحديث منه أحمق.
وقال بكر بن منير: سمعت أبا عبد الله البخاري يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدًا.
وعن سهل بن عبد الله التستري قال: من أخلاق الصديقين أن لا يحلفوا وأن لا يغتابوا ولا يُغتاب عندهم, وأن لا يشبعوا, وإذا وعدوا لم يخلفوا ولا يمزحون أصلاً.
وعن ابن سيرين: أن عمر كتب في عهد حذيفة على المدائن: اسمعوا له وأطيعوا واعطوه ما سألكم, فخرج من عند عمر على حمار فوكف, تحته زاده, فلما قدم استقبله الدهاقين وبيده رغيف وعرق.
وعن مروان الأصفر, سمع الأحنف يقول: اللهم إن تغفر لي فأنت أهل لذلك وإن تعذبني فأنا أهل لذلك.
وقال الأحنف: ثلاث فيّ ما أذكرهُن إلا لمعتبر: ما أتيت أبواب السلاطين إلا أن أدعى, ولا دخلت بين اثنين حتى يدخلاني بينهما, وما أذكر أحدًا بعد أن يقوم من عندي إلا بخير.
وكان الأحنف إذا أتاه رجل وسع له, فإن لم يكن له سعة, أراه كأنه يوسع له.
وعن ثابت البناني: أن أبا برزة كان يلبس الصوف, فقيل له: إن أخاك عائذ ابن عمرو يلبس الخزّ (الثمين من الثياب), قال: ويحك ومن مثل عائذ؟ فانصرف الرجل فأخبر عائذًا, فقال: ومن مثل أبي برزة؟ قال الذهبي: هكذا كان العلماء يوقرون أقرانهم.
قال أبو المنهال: سألت البراء عن الصَّرف, فقال: سل زيد بن أرقم, فإنه خير مني وأعلم.
قال محمد بن سيرين: جلست إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى وأصحابه يعظمونه كأنه أمير.
وقال مورق العجلي: ما قلت شيئًا قط إذا غضبت أندم عليه إذا زال غضبي.
وعن جميل بن مرة قال: كان مورِّق العجلي رحمه الله يجيئنا فيقول: أمسكوا لنا هذه الصرة فإن احتجتم فأنفقوها, فيكون آخر عهده بها.
وعن عمرو بن مالك قال: سمعت أبا الجوزاء يقول: ما لعنت شيئًا قط ولا أكلت شيئًا ملعونًا قط, ولا آذيت أحدًا قط ولا ماريت أحدًا قط, قال الذهبي: فانظر إلى هذا السيد واقتد به.
وقال وهب بن منبه: لباس الإيمان التقوى وزينته الحياء وماله الفقه.
وقال وهب: المؤمن ينظر ليعلم ويتكلم ليفهم ويسكت ليسلم ويخلو ليغنم.