سبيل النبلاء ...(1)
16 ذو الحجه 1427

[email protected]
النبلاء في كل عصر هم سادته وزينته , وهم بسلوكهم الراقي السامق النبيل يجمعون صفات الروعة والسمو , ويدعون نحو عالم جميل محبوب ..
والنبلاء عندنا هم الذين سلمت قلوبهم لخالقها وصفت نفوسهم للناس وسعوا نحو المعالي , فإن ثمة علاقة وثيقة بين طريق المعالي وصفة النبل , فدوما كانت المعالي للنبلاء ..

والنبلاء هم الذين يهدون الناس نحو الخير والعدل والاستقامة , ويدلونهم على الحق ويبينون لهم سبل الإيمان والهدى , وهم يضحون في سبيل استمساكهم بصفاتهم تلك بكل ما يملكون حتى آخر لحظة من الحياة .. لذا كان أنبل النبلاء هم الأنبياء ثم الشهداء ثم العلماء الصلحاء ثم الأمثل فالأمثل ..

ولو أردنا تتبع صفات النبلاء لطال بنا المقال وضاق بنا المقام , غير إننا ندل دلالة على بعض صفاتهم ونشير إشارة نحو سبيل سعيهم ..فلربما طاف بنا نسيم عطرهم أو ارتشفنا من نبع حكمتهم وروعتهم ..
ولقد تتبعت كثيرا من حالهم فوجدت أن أهم صفات هؤلاء النبلاء هي قلوبهم النقية ونفوسهم الزكية التي تعاهدوها فألزموها التقى والصلاح وأدبوها فعلموها العبودية بمعانيها ..
ولذا حرص الأنبياء عليهم السلام على تزكية النفوس وهدايتها فانظر إلى سؤال الخليل عليه السلام وهو يقول " ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم أيتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم " , , و قد استجاب سبحانه فقال : " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم أيتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون " البقرة الآية ( 151 ) .
وقال تعالى : " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آيته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" آل عمران (164).
وقال تعالى : " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " . سورة الجمعة الآية ( 2 ) .

فانظر كيف استجاب الله دعوة خليله إبراهيم عليه السلام في هذه المواضع الثلاثة من القرآن .
ولكن نلاحظ أن في آية سورة البقرة ( 129 ) قد ذكرها الله عز وجل بعد الكتاب والحكمة ولكن في امتنان الله عز وجل على هذه الأمة فقد نجد أنه سبحانه وتعالى قد رتب الآيات بترتيب آخر وهو تقديم التزكية التي هي سلامة القلب من الشبهات والشهوات ..
و قال الله تعالى : " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها, قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها " .

وتزكية النفوس قد عنت عند النبلاء معان ثلاثة : تطهيرها ونماؤها وصلاحها .. فتطهيرها بإخلاص سبيلها لربها وحده لاشريك له ونماؤها بطاعاتها وعبادتها وصلاحها بتطبيق ما تعلمته بكل تجرد وبذل ..قال تعالى : " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى " .. يقول ابن القيم " والمقصود أن زكاة القلب موقوفة على طهارته كما أن زكاة البدن موقوفة على استفراغه من أخلاطه الرديئة الفاسدة , قال تعالى : " ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم "
وقال أيضا : " قال الله " وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة " قال أكثر المفسرين من السلف ومن بعدهم : هي التوحيد : شهادة أن لا إله إلا الله ، والإيمان الذي به يزكو القلب فإنه يتضمن نفي إلهية ما سوى الحق من القلب وذلك طهارته وإثبات ألهيته سبحانه وهو أصل كل زكاة ونماء فإن التذكي وإن كان أصله النماء والزيادة والبركة فإنه إنما يحصل بإزالة الشر .."

وقال قتادة : في تفسير قوله تعالى " قد أفلح من زكاها " . قد أفلح من عمل خيرا زكاها بطاعة الله عز وجل . وقال أيضا : قد أفلح من زكى نفسه بعمل صالح .
قال الحسن " قد أفلح من زكى نفسه فأصلحها وحملها على طاعة الله تعالى ، وقد خاب من أهلكها وحملها على معصية الله تعالى .
وقال ابن قتيبة " يريد أفلح من زكى نفسه أن نماها وأعلاها بالطاعة والبر و الصدقة واصطناع المعروف .
يتبع