طرقات على باب الرشد ..
21 ربيع الأول 1429
د. خالد رُوشه

قد تعتري المرء بعض المشاعر في بعض المواقف يستشعر فيها من نفسه بنقص في شخصيته , إذا وجد نفسه مهمشا في موقف هام أو وجد نفسه غير ذي حظ حيث يفوز المؤثرون والأقوياء .. وقد أصبح وصف الشخصية بالنقص تعبيرا شائعا في كثير من أوساط الشباب وهم – في غالب الأحيان – لا يدركون كنهه الحقيقي ..

* إن الشعور بالنقص قد يكون وهما داخليا ارتبط بالإنسان منذ صغره وطفولته , وقد يكون ناتجا من عدم معرفة الإنسان بقدراته وطاقاته التي يتميز بها , أو جهله بسبيل تفعيل تلك القدرات .

*و نستطيع أن نقول أن كل موقف سلبي يمر بالإنسان من صغره ولم يستطع أن يؤثر فيه كما يرتضي يعتبر مكونا صغيرا من مكونات هذا الشعور السيىء بضعف الشخصية , والعكس صحيح , فكل موقف إيجابي يمر بالمرء ويوفقه الله في أن يكون مؤثرا فيه ويرضى عن سلوكه فيه يكون عنصرا مهما من مكونات قوة شخصيته , وقد ينمو الشعور بالضعف في شخص نتيجة تجربة قاسية مرت به أو خطأ ارتكبه فيورثه ذلك تراجعا في نموه الشخصي والتأثيري ,

* والخوف عادة يخفي ميزات الشخصية ويبديها ضعيفة منكسرة باهتة , وانظر لمن يلقى خصمه وهو خائف منه كم ينظر إليه خصمه باستهتار واستعلاء ...
وكثير من أعراض ضعف الشخصية الذي نعاني منه يرجع إلى أننا لم نبلغ النضج والرشد على المستوى النفسي بصورة مناسبة , وإنما يكون سبب ذلك عدم اكتمال المنهج التربوي الذي استخدمه الآباء والمربون في نفوسنا وأثناء حياتنا ..
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تربية أبناء أمته تربية نفسية رشيدة فإذا بهم ينضجون مبكرا ويتحملون مسئولياتهم مبكرا ولا ترى في شخصياتهم عوجا ولا نقصا ..

* وكنت كثيرا ما أتحدث للأصدقاء أن المنهج التربوي الإسلامي لم يعترف بتلك الصفات المنقوصة التي جمعها التربويون الغربيون فيما أسموه : " فترة المراهقة " , نعم قد اهتم الإسلام بجميع فترات العمر ولكنه لم يجعل تلك الفترة – كما يصور لنا الغربيون – هي فترة التمرد والغواية والاهتمام بالجسد ونزعاته مع ضعف الحكمة وقلة الإنجاز

* إن انطلاق منظومة من الأهداف التربوية في كل مرحلة من مراحل العمر مأخوذة من المنهج القرآني وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم صار واجبا ملحا على كل القائمين بالعملية التربوية سواء على مستوى التنظير لها أو التطبيق , لأن تربية لا تتضح أهدافها ومعالمها في نفس المرء ولا تصل به إلى مرحلة الرشد النفسي القويم لا تورثه إلا ذوبانا في غيره وضعفا في شخصيته ..

* أتألم كثيرا عندما أجد من الدعاة إلى الله من هو منطو على نفسه منغلق في شخصيته , بعيد عن التأثير في الناس , وأتساءل عندها في نفسي ..من إذن يعلم الناس ويوجههم وينصحهم ويصوب خطاهم إذا كنا جميعا نفضل الإنزواء والانطوائية والبعد وعدم الاجتماعية وعدم التصدي لتربية الناس وبناء منظومتهم التربوية الأخلاقية العلمية ؟! ..

إن الدعوة إلى الله أشرف وظيفة وأحسن مهمة , فمن ذا الذي يتأبى عليها ويخجل منها ؟ حتى العلماء الذين كتبوا في فضائل العزلة لم يعدوا منها عدم دعوة الخلق إلى الله ونصحهم وتعليمهم , وإنما يتأتى خجل بعض الدعاة وانطوائيتهم من سببين لاثالث لهما الأول عدم قدرته على تطبيق ما ينصح به والسيطرة على نفسه في تطبيق الأخلاق التي تعلمها فعليا مع الناس , والثاني عدم اتصافه بالتواضع وخفض الجناح للمؤمنين فهو يخشى أن يخالط من لا يعرف قدره فيهتز مقامه , لذا تجد كثيرا من هؤلاء هو اجتماعي ممازح بين القريبين منه , عبوس قطب الجبين بين الناس .. فياعجبا من أمثال هذا !