من أكثر ما يؤلم المرء أن يرى داعية من الدعاة إلى الله قد بلغ به الحرص مداه وبلغ به حب جمع المال منتهاه وبلغ به التصارع عليه أن أنساه كثيرا مما كان يوما ينصح به الآخرين ..
الناس لاشك مشتركون في حب الخير لهم وحب المال يكون عندهم فيستعينون به على قضاء حوائجهم وحوائج من يعولون , والصالحون منهم يحبونه لستر عوراتهم وصون عرضهم والتصدق به على الفقراء والمحتاجين , وغوث الملهوفين في الأزمات والآلام ..
والدعاة إلى الله هم رمز الصواب في أعين الناس ونموذج المبادىء والقيم في نظر كثير منهم , فهم يلجئون إليهم في الضائقات , ويسألونهم فيما يجهلون , ويستضيئون بنصحهم إذا غابت عنهم القدرة عن الفهم أو الاختيار ..
ويوم يجد الناس داعية إلى الله - لطالما نصحهم بالتقلل من الدنيا وعدم الصراع عليها - ثم هم يجدونه متصارعا على جمع المال , منافسا فيه غيره ليل نهار, قد أنساه غناه القيام بواجبه تجاه الآخرين , وأنساه حب المال كثيرا من الخير الذي يتعلمه ..إنهم عندئذ يفجعون , نعم إن الناس يفجعون في ذلك الداعية ومثاله , لأنهم أثناء عيشهم في ذاك العصر الساخن في صراعاته الدنيوية يترطبون برؤية الراغبين وجه الله وما عنده , والمعرضين عن زخرف الدنيا ..
الأمر الأكثر إيلاما أن يخلط بعض الدعاة بين أعمالهم التي يتقاضون عليها مالا , فهم إنما يعملونها بنية واحدة فقط هي جمع المال , وبين عبوديتهم بدعوتهم إلى ربهم سبحانه وتعالى , فيرى أنه قد انتهى دوره في دعوته بعمله ذاك الذي تقاضى عليه ذاك الأجر , ويبلغ بالبعض منهم أن صار يومه كله أعمالا بأجور يتصارع عليها ويتنافس فيها وهي في ذات الوقت مما يطلق عليه أعمال دعوية , وهذا وإن صلح في بعض الأحيان أمام الناس فكيف يصلح بينه وبين نفسه؟ وكيف يكيف حاله إذا لقي ربه ؟
إن المال حلو خضر طيب , كما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه , فعلمنا أن الله مستخلفنا فيه فناظر ماذا نعمل.., وماخاف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفقر ولكن خاف علينا بسطة الدنيا والتنافس فيها , فقال " والله ماالفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم "
لكم نحب أن يصير المسلمون والدعاة جميعا أغنياء ومتيسرين , لكننا أيضا نحب أن نراهم متصدقين باذلين معطائين مع ذاك الغنى , ثم نراهم غير متصارعين على الكسب , ولا متنافسين على الدنيا , ولا خالطين بين كسب المال وواجب الدعوة إلى الله سبحانه