تتلون الحياة بلون داكن , ويعم الحزن القلب , ويكثر الوجوم على الوجه , وتذبل رؤى الأيام الجديدة .. إنها معان مكتئبة غائمة , تجتمع في عين المرء فلا تكاد تتماسك أمام موقف مؤثر مر بها إلا وذرفت هملا متكاثرا من الدموع ..
لكم تمنينا في صغرنا آمالا وأمنيات , وكم حلقت بنا محلقة الأماني نحو ما نرجو أن نكون عندما نكبر , وبنينا في الخيال قصورا مشيدة من الإنجازات المرتجاة , وصممنا بأيد صغيرة صورة صغيرة لآثارنا التي تمنينا أن نتركها على جدار الأيام القادمات .
وعشنا تتعلق عيوننا بصورتنا المؤثرة التي نرتجيها , وكنا نستدعي الأمل منها إذا عمت الأحزان .
إنها أمل عمر , وأمنية حياة , صحبناها في كل مامر بنا من مواقف عبر سنين عمرنا , تعزينا بها إذا ما ألمت مصائب بأوطاننا , بأننا يوما ما سنكون من يحرره , وتصبرنا بها إذا ما انتشرت مساوىء الأخلاق بين أبناء أمتنا , بأننا يوما ما سنرفع لواء الإصلاح ليل نهار !
واليوم يرى المرء نفسه يدور في دائرتين , ويراهن على مدارين مختلفين , أحدهما مدار الإبقاء على ما استطاع من حياة مجهدة متعبة, وآخر هو مدار البكاء على ماضاع من الحلم الجميل ..
إنه بكاء يتزامن مع محاولات حثيثة للإمساك على ما استطاع من بقية ذلك الحلم الرائع , والإبقاء على حيوية كانت تملأ النفس والقلب , بكاء يرتجي أثرا يمكن تحقيقه في خضم الأمواج الحياتية المتلاطمة ..
إنه اختيار قد يبدو سهلا في قراءته أو التحدث به , إلا أنه في الحقيقة اختيار العمر القادم وخطوة كبيرة في مسيرة الأيام الباقيات ..
لا شك أن كثيرا من الناس يعد نفسه لمنظر آخر وأمنية أخرى يجمع فيها بقايا طموحاته وأمنياته فيعطيها فتات أوقاته , وما تبقى من قدراته بعدما ينهكها السعي اليومي لمتطلبات النفس والحياة , وأخشى أننا في الأخير سنجلس بذات الحال الناقصة التي نبكي بها على ماضاع من أيامنا ونتقبل فيها العزاء في موت أحلامنا الراحلة !