
خطابي اليوم للمرأة لتدرك أن على عاتقها مسؤولية تبليغ رسالتها في الحياة , فلتسجل تاريخها كما سجله من تقدموها من رائدات حملن مشعل النجاح , لتصنع لها حياة جديرة أن تحياها كامرأة مسلمة ، تخطو بخطى إيمانية نحو الصفوف الأمامية ..، لتدون يومياتها بمداد يخلد تاريخها يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة لمن سيخلفها ، ويهتدي بمعالمها على الطريق ، التي ورسمتها بكدها وجهدها وكدحها في الحياة ..
إنها مواقف تستحق عليها المرأة أن يردد إسمها ، ويرفع ذكرها تقديرا وتشريفا يصاحبها في الدنيا والآخرة .
وإن وظيفتها ودورها الذي تضطلع به في المجتمع الإسلامي من تربية للأطفال، وقيام بحقوق الزوج ، ورعاية كاملة لكل أفراد الأسرة .. لهو أجدر أن تخلد به تاريخها .
والأم المربية هي مصدر قوة مؤثرة في البيت المسلم والمجتمع ككل ، ووجودها على الصورة المنشودة والمنهج المطلوب يعد مفتاح التغيير الإيجابي المنشود.في الأمة ..
قال القرطبي ( وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى ) الجامع لأحكام القرآن :( 14/152)
وقد بين نبينا صلى الله عليه وسلم الآية بقوله : ( قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن )رواه البخاري 5237 ومسلم 2170 من حديث عائشة رضي الله عنها
فالأصل في المرأة القرار في البيت ، لأنَّ فطرتها التي خلقها الله عليها هي حبّ الأمومة وتربية الأجيال والمشاركة في تكوين الأسرة ..
أما المخالفون ممن يريدون خلخلة المجتمع الإسلامي ، والتفلت من قيود الأمومة ، والمنزل والأسرة ..إنما يريدون أن يكون الأصل في المرأة هو العمل خارج البيت ، وأن تكون مساوية للرجل في ذلك ، ويعدونه من حقوقها ، زعما أن قرارها في بيتها مهانة لها ، ووئدا لمواهبها ، وهي بذلك تكون مستعمرة من قبل الرجل ، أسيرة في سجن بيته ، متغيبة عن الحياة وعن المشاركة في تنمية مجتمعها ..
إن المرأة التي تدرك هذا الفهم تعطي المجتمع التوازن المطلوب ، والمناعة والقوة . فحين تعمل المرأة داخل بيتها تنشئ أمة بكل ما تحمله الجملة من معاني ، لأنها تساهم في راحة زوجها وزيادة إنتاجه وإنتاج أولادها خارج البيت .. وهذا الإنتاج كلما نما فهو يساهم في نمو المجتمع ، وزيادة الدخل القومي للأمة ، وبالتالي زيادة رقيها وازدهارها ..
علاوة على قيامها بدور الضبط الاجتماعي حين تعمل على (حراسة قيم المجتمع وتنميتها وتلك مهمة ليست سهلة ، خصوصا أن أحد مقومات الأمم يتمثل في قوة عقائدها ، واعتزازها بثروتها من القيم والمثل العليا ) [1] -منهج القرآن في تربية المجتمع / عبد الفتاح عاشور ص 312 وما بعدها
وهذه من ركائز التنمية الرئيسية، والمرأة بذلك تقوم على إعداد رأس المال البشري اللازم لأي تنمية ، ومن ثم يكون لعملها في بيتها من الأهمية ما يعادل – بل يزيد – عن عملها خارجه في صنع أفراد المجتمع الذي يُحكم بنجاحه إذا نجحوا وبفشله إذا فشلوا .
لقد كانت الأمهات الصحابيات ومن تبعتهن على المنهج القويم والمشرب العذب النقي تراعين القيام بواجبهن الطبيعي والأصلي ، وتنظرن لوظيفتهن داخل البيوت على أنها تشريف لهن ، لأنهن تخرجن الجيل المؤمن في قلبه ويقينه، والأيدي المتوضئة الطاهرة التي ترفع بالتكبير ، والجباه الساجدة تذللا وخضوعا لله ..
تزرع في قلوب الناس نخلا ، ثابتا في الأرض أصلا ، فرعه يهتاج فيؤكل ، ويظل بين الأحشاء غذاء يًطعم ..
إننا بحاجة لمن تكتب تاريخها من خلال الأصل الطبيعي الذي فطرت عليه ، وهو قرارها ببيتها لأداء وظائفها الحساسة ، وعلى رأسه صنع أجيال العز والتمكين ، قبل أن تفكر في أداء وظائف أخر، أو تسهم في أنشطة متنوعة أو تشارك في مهن وصناعات ومهارات يحتاج إليها المجتمع المسلم ..
إننا بحاجة لمن تدرك على أنه بالرغم من وجود بعض المنافع في عملها خارج بيتها كما يعمل الرجل ، لكن ترى أن هذا من باب ( وإثمهما أكبر من نفعهما )البقرة الآية 219 وعلى أنه مهما نشأ عن عملها من ثروة للبلاد ، فإن ذلك هادم لبناء الحياة المنزلية ، وتقويض لأركان العائلة ، وتمزيق للروابط الاجتماعية ، لأنه يسلبها من زوجها وأولادها من غير أن تدري ، ويسلخها عن وظيفتها الأصلية
إن التي تغامر بحياتها الزوجية و بالسعادة التي تنشرها في بيتها ، أو تغامر برعاية أولادها والتفرغ لحسن تربيتهم وتنشئتهم التنشئة السليمة، وتتنازل عن وظيفتها الفطرية والطبيعية في أن تكون ربة أسرة ومسؤولة في سبيل هوى متبع ، أو متعة زائلة ، لا تصنع لنفسها حياة إنما تصنع مجدا زائفا ، تندفع خلفه بدافع الطمع في وظيفة أو عمل ، أو بدافع رغبة نفسية في وجاهة اجتماعية . أو في التمتع بمزيد من المال .. ولا تخلد لنفسها تاريخا ، بل مغارم وأعباء ثقيلة ، لا يفي عمرها لكي تسدده