يصحبنا القرآن في رمضان عبر رحلة من أمتع الرحلات وأنفعها في حياتنا وآخرتنا , فيهذب نفوسنا ويعلمنا الأخلاق والآداب والسلوكيات , ويثبت معاني الإيمان في قلوبنا , ويبصرنا بقيمة الدنيا وزخرفها , ويوقظ ضمائرنا في مختلف المواقف التي تمر بنا ..
فماأروعها من متعة روحية ورونقة نفسية وسكينة وطمأنينة تعلو الجو المهيب الذي يتلى فيه كلام الله العلي العظيم , إذ يطأطىء المرء رأسه خاشعا وتسكن جوارحه تواضعا وتذللا وتذرف عينه ندما وتوبة ويلهث لسانه بالاستغفار كلما حان وقت السجود ..إنها جنة من لم يدخلها خسر وخاب , وريحانة من لم يتعطر بها لم يجد عطرا يدانيها يوما من الأيام..
وكل ليلة نستمع فيها إلى آيات القرآن في صلاة القيام بينما نحن وقوف بين يدي الملك جل وعلا نستشعر كم نحن بعيدون عن تلك الأجواء الإيمانية طوال العام وكم نحن مفتقدون لها في أيامنا الدائرة من حولنا فنتمنى ساعتها أن لو أن السنة كلها رمضان ..
إننا بحاجة ماسة إلى خطى عملية تجاه كتاب ربنا ذاك الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ..
ولتكن أولى الخطوات أن نعقد العزم ونستحضر النية لتدبر القرآن، فلا يكون التدبر عابرا بل يكون عبادة تلزمها النية المنعقدة المخلصة لله وحده، قال الشافعي: " حق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستذكار من علمه والصبر على كل عارض دون طلبه وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصا واستنباطا والرغبة إلى الله في العون عليه، فإنه لا يدرك إلا بعونه ".
كذلك ليعتبر أحدنا نفسه هو المخاطب بآيات القرآن التي يقرؤها، يقول ابن القيم: " أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته وتضمنه له ويظنونه في نوع وفي قوم قد خلو من قبل ولم يعقبوا وارثا، وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن، ولعمر الله إن كان أولئك قد خلو فقد ورثهم من هو مثلهم أو شر منهم أو دونهم وتناول القرآن كتناوله لأولئك " (مدارج السالكين)، وقال محمد بن كعب: " من بلغه القرآن فكأنما كلمه الله ".
وماأجمل الانفراد والوحدة والتفكر: فقد قال الله تعالى: " كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون " ويقول الحسن البصري: " مازال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر وبالتفكر على التذكر ويناطقون القلوب حتى نطقت بالحكمة " ويقول ابن القيم: " التفكر في القرآن نوعان: تفكر فيه ليقع على مراد الرب تعالى منه وتفكر في معاني ما دعا عباده إلى التفكر فيه.
ثم لتأت الخطوة الاختبارية الدالة على مدى الصدق ومدى الإخلاص وهي خطوة التطبيق الفوري للأوامر والانتهاء الفوري عن النواهي: قال ابن مسعود في قوله تعالى: " يتلونه حق تلاوته " قال: والذي نفسي بيده إن حق التلاوة أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرؤه كما أنزله الله ".
ولنسأل الله في كل ليلة بينما نحن نستمع إلى ذلك الذكر العطرأن يجعلنا الله من أهل القرآن حفظا وعملا وتدبرا..إنه حميد مجيد