السؤال
فضيلة الشيخ: هل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفيد بأن الجماعة يعودون لما يسمى صلاة التهجد بعد صلاة التراويح ؟ وإن وجد، فما هو النص ؟ وهل ثبت عن أحد من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بالاقتداء بسنتهم فعل ذلك ؟ ومتى بدأ العمل بهذه الصلاة ؟ وهل يصح اليوم أن يعبد الله بما لم يكن يُعبد به يومئذ ؟ وما حكم هذه الصلاة المستحدثة في رأي بعض الناس ؟ أهي سنة أم بدعة ؟ أفيدونا مشكورين بالدليل.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فالسؤال فيه خمس فقرات:
الفقرة الأولى: حكم العود للتهجد بعد التراويح ، جائز ولاحرج فيه والأفضل أن يكون بعد نوم لقوله تعالى : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) ولايسمى تهجداً إلا بعد نوم ، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم من أول الليل ثم يعود بهذه الصفة ، لكن هذا لا يعني المنع منه ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أذن في قيام الليل مطلقاً ورغب فيه ولم يحدد له وقتاً معيناً لايجوز تعديه ، ولاعدداً معيناً لايجوز تجاوزه ، والله عز وجل يقول (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ) فالليل كله وقت للصلاة ، وعن أنس مرفوعاً : ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد .متفق عليه ، وهذا حديث صريح في الجواز ، فإذا صلى المرء جزءاً من الليل ثم نام قليلاً ليرتاح وينشط جسده وخاصة في العشر الأواخر فلا بأٍس بذلك ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحي الليل في العشر الأواخر .متفق عليه.
أي يستغرق الليل كله كما قال النووي وغيره ، وغاية ما في الأمر أن هؤلاء الذين يعودون عجزوا عن إحياء الليل كله ، فقالوا نحيي ما نقدر عليه فنقوم جزءاً من أوله وندرك فضل آخره ، وهذا لاحرج فيه فهو فعل لبعض الخير وترك لما عجز عنه أو ضعف عنه مما لايجب في الأصل.
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحيون الليل كله في رمضان كما ثبت بسند صحيح فيما رواه الإمام مالك عن محمد ابن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة قال وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر.ومع البعد عن عصر النبوة والقرون الفاضلة ضعف الناس عن هذا فقاموا بعض الليل وحرصوا على إدارك آخره لأنه وقت ساعة الاستجابة كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة ، وهذا جائز ولايتصور فيه خلاف بين أحد من العلماء .
وصلاة التروايح قد بدأت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث صلى بهم ليالي ثم ترك الصلاة بهم خشية أن تفرض عليهم ، وصلى في بيته ، ثم أحيا هذه السنة عمر مرة أخرى وجعل عليهم أبي بن كعب ، ولو منعنا من مثل هذه الصورة للزم أنه لايجوز لمن صلى مع أبي بن كعب أن يخرج من الصلاة ثم يعود قبل الفجر ليدرك معه ما بقي من الصلاة ، وهذا ظاهر البطلان . والخلاصة أن هذا جائز ولاحرج فيه وليس بدعة بل صاحبه مأجور غير مأزور لما سبق من الأدلة الصريحة الصحيحة. والله أعلم .