المغربيات .. وصلاة التراويح
27 رمضان 1429
تحقيق : شهيدة لخواجة
جميع مساجد المملكة اكتظت هذه السنة بجموع المصلين نساء ورجالا مع حلول شهر رمضان، والملفت للنظر هم الحشود الهائلة من النساء المسرعات بخطوات ثابتة نحو بيت الله مسابقة للرجال لتأدية صلاة التراويح، وان كانت هذه الصلاة تعتبر سنة وليست فرضا على المسلمين إلا أن مساجد المغرب جميعها تزينت بمؤمنات من مختلف الأعمار وسادت حالة إيمانية وروحانية ظاهرة معظم بيوت المسلمين في المغرب .
 
ورغم انشغالات المرأة المغربية داخل بيتها أو خارجه إلا أن رغبتها في الصلاة بالمسجد وفي جماعة - خصوصا صلاة التراويح -  جعلتها تتبع فتوى العلماء الذين أقروا أن لا حرج من صلاة المرأة في المسجد وأنه لا يجب أن يحال بينها وبين بيت الله تبعا للحديث المروي عن مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " وقد أفتى فضيلة الشيخ القرضاوي في إحدى فتاويه عن خروج المرأة لصلاة التراويح : "أن معظم الرجال في عصرنا لا يفقهون نساءهم في الدين،ولعلهم لو أرادوا لم يجدوا  عندهم القدرة على الموعظة والتثقيف، فلم يبق إلا المسجد مصدرا لذلك فينبغي أن تتاح لها هذه الفرصة، ولا يحال بينها وبين بيوت الله، ولا سيما أن كثيرا من المسلمات إذا بقين في بيوتهن لا يجدن الرغبة أو العزيمة التي تعينهن على أداء صلاة التراويح منفردات بخلاف ذلك في المسجد والجماعة."   
 
أمام هذه الظاهرة المتمثلة في نزوح النسوة لبيت الله وإقبالهن على صلاة التراويح  كان لزاما التساؤل عن سبب هذا التهافت الذي لم يكن أمرا موروثا ولا عريقا في تاريخ مسيرة المرأة المغربية، خصوصا أن بوادر هذه الظاهرة بدأت مع بداية التسعينيات وهناك من قرنها بتنامي الصحوة الإسلامية بالمغرب لكن لم تصل أوجها إلا في السنوات الأخيرة إذ أصبحت جميع أجنحة النساء في المساجد مكتظة بل ولا تتسع للحشود مما أوجب سؤالا ملحا عن الدوافع الحقيقية الكامنة وراء هذا الكم من المصليات.
 
فهل صلاة التراويح عند المغربيات نابعة من رغبة في العبادة والتقرب إلى الله أم أنها مسألة عادة وتقليد (موضة الشهر) لا تتعداه إلى سواه؟؟
 
طرحنا السؤال على مرشدة تابعة للمجلس العلمي بمدينة مراكش الأستاذة هند الزخيري فكان جوابها:
" أولا صلاة التراويح لم تنتشر إلا في الآونة الأخيرة،ويجب أن نتذكر أنه سلفا كان مكان صلاة النساء في المساجد جد صغير إن لم يكن منعدما أما الآن فقد عملت وزارة الأوقاف على توسيع أماكن صلاة النساء في جميع مساجد المملكة لتصل في بعض الأحيان إلى النصف من المساحة المخصصة للرجال. فمقولة صلاة النساء بالمساجد هي عادة و ليست عبادة  مقولة مرفوضة وهذه الظاهرة هي وليدة الصحوة الإسلامية ووعي النساء المتصاعد وأيضا بسبب اضمحلال نسبة الأمية وتزايد عدد النسوة الراغبات في الاستفادة من حصص محو الأمية التي تقدم بالمساجد وكذا حضور مجالس الذكر والإرشادات الدينية التي تشرح لهن مدى أهمية شهر رمضان ومعه صلاة التراويح وأجرها الكبير عند الله.
 
هناك أمر آخر صعّد الظاهرة، فبالعودة لكتاب الله وسنة رسوله ظهر عندنا قراء جيدون يتقنون القراءة ويحسنونها بأصواتهم المتميزة مما اجتذب الناس للصلاة بنسبة أكبر ، ولان المغاربة سلفا انقطع عنهم السند ولم تعد القراءة المغربية كما كانت عليه في القرن التاسع عشر فكثرت الأخطاء لكن ومع ظهور شيوخ أكفاء بالمغرب عادت القراءات الجيدة وعاد معها عنصر التأثير على المصلين ولان الصوت الحسن يؤثر على المستمع سواء في الصلاة أو في الغناء، وما المرأة إلا مصلي يسمع ويستحسن ويتأثر..."
 

هذا الوضع الجديد – خروج المرأة لتأدية صلاة التراويح- طلب منها بذل مجهود إضافي كبير، فلكي تتواجد في المسجد وفي وقت يسبق توقيت الصلاة بأكثر من نصف ساعة وجدت المغربية نفسها مضطرة إلى إعادة ترتيب وقتها ومن ثم تصريفه وفق مقتضيات الواقع المستجد، تقول خديجة وهي ربة بيت وأم لأربعة أطفال: " أصبحت أجهز العشاء قبل صلاة العصر والفطور بعده وبمجرد الإفطار يكون لزاما علي الإسراع لتأدية الصلاة مما يضطرني إلى ترك مجمل الواجبات المنزلية وتأجيلها لما بعد الصلاة ، وأسير للمسجد رفقة صويحباتي فنحن صرنا نحمس بعضنا بعضا ومن اضطرت منا للقعود ينتابها إحساس بالخيبة ."

هناك من النساء المتقدمات في العمر واللواتي يرغبن في أن يكن من أوائل من يؤدين صلاة المغرب في المساجد الكبرى ويحضرن معهن وجبة الإفطار ويَبقَين إلى أن يصلين العشاء وهذا الأمر جديد على طباع النسوة بالمغرب  هذا ما يدفعنا للبحث عن جواب لسؤالنا السابق.

 
 
وددنا أن نكثف الرؤية ونبحث جاهدين إن كانت الظاهرة تحمل بين طياتها مظاهر من شأنها أن توصلنا إلى الإقرار أن الظاهرة دافعها العادة أو أنها عبادة ولا غبار عليها، لذلك توجهنا بالسؤال إلى بعض الأخوات من داخل المسجد.
بديعة فتاة عمرها لا يتجاوز السادسة والعشرين وهي فاعلة جمعوية تقول:
( استقي رأيي من خلال زياراتي المتكررة لثلاث مساجد على السواء هنا بمراكش وبالتالي فان ملاحظاتي متفاوتة نظرا لطبيعة المصليات في كل مسجد وتفاوت المكان وشريحة الوافدات اللواتي تختلف أعمارهن وشريحتهن الاجتماعية، فمثلا مسجد الجبيلات والذي يِؤم الصلاة فيها المقرئ " عبد اللطيف أبو الخير" معظم النسوة فيه لديهن إلمام بأمور دينهن لأنهن يكثرن من جلسات الوعظ والإرشاد وأغلبهن متعلمات فقد انعكس هذا على سلوكهن وكيفية أدائهن للصلاة رغم اختلاف أعمارهن وبالتالي تحظى كبيرات السن بإرشاد من طرف الصغيرات تتقبله بصدر رحب، وأحيانا ترى التزاما خلقي فتقل ظاهرة الثرثرة في المساجد ومعها الغيبة والمشاجرة أي هناك التزام بأدبيات المسجد.
 
أما في مسجد آخر مثل مسجد مولاي ليزيد والذي يؤمه المقرئ " وديع" والمتواجد بالقصبة فنظرا لتوافد حشود كبيرة من المصلين من جميع أحياء المدينة العتيقة فقد لاحظت جليا تباينا في التعامل وفي الأخلاق وحتى في طريقة الصلاة إذ يقل وعيهن الديني وخصوصا عند النسوة الكبيرات في السن ولا يتقبلن الإرشاد أو النصح وتكثر النساء من الضوضاء داخل المسجد مما يشوش على المصلين وهناك فتيات يرتدين جلابيب مثيرة تغيرها كل ليلة، كما أن المسجد يكتظ بشدة إلى درجة أنهن يصلين عند أقدام الرجال، لكن هناك نسوة واعيات عابدات متخشعات يظهر ذلك في سلوكهن كما يظهر أنهن أتين لأداء صلاة يرجون من ورائها رحمة الله.
 
أما مسجد حي الداوديات والذي أمّه هذه السنة المقرئ" الشيخ عبد الرحيم النابلسي" فقد عرف توافد حشود هائلة من المصلين نساء ورجالا إلى درجة أن المسجد امتلأ وكانت الطرقات ملاذ الكثير من المصليين والمصليات والذين لم يثنيهم الازدحام عن الصلاة خلف هذا المقرئ المتميز في قراءاته، غير أن الاكتظاظ في أوساط النسوة أظهر الاختلاف الجلي بين المرأة العالمة لأمور دينها والمرأة الجاهلة وكثيرا ما أجد هذه الأخيرة تأتي للمسجد من باب تقليد لجاراتها وللاستمتاع بصوت المقرئ لا غير والله أعلم.)
 
عبير الطالبة في كلية الآداب بمدينة كلميم  كان لها رأي مخالف فهي تقول:
 ( بعض المصليات وخصوصا الشابات يأتين للمسجد بحثا عن عريس،  فتكون متبرجة طيلة السنة ومع دخول شهر رمضان ترتدي الواحدة منهن حجابا وقد لا تصلي فرائضها لكنها تأتي وتزاحم في صلاة التراويح، أما النساء المتزوجات فيتشطّرن في إبراز أزيائهن من جلابيب فاخرة الحياكة وعباءات مزركشة بل ويرتدين الذهب فخرا على الجارات والمعارف اللواتي يلتقين في المسجد ليحولن بيت الله إلى سوق يعج بالأحاديث الفارغة.
 
 أما كبيرات السن فلهن طقوس خاصة مثل رش ماء الورد على المصليات أو الجلوس على الكراسي وعدم تقبل نصيحة الاستواء في الصف ولا وضع الساق على الساق، وأكبر دليل على جهلهن بأمور الدين أنهن لا يفهمن ما يفعله الإمام حين يصل إلى آية السجدة ولأنهن يصلون في مكان بعيد عن رؤية الإمام تجد الأقلية تسجد والأغلبية تتردد في السجود وان سجدت يكن بدافع التقليد لا بدافع العبادة كذلك حضورهن لصلاة التراويح فانه يكون بدافع التقليد لا بدافع العبادة...)
 
بعد محصلة العشرة الأولى من الشهر المبارك وما تلتها من استنتاجات ثم استخلاصات خلال العشر الثانية كانت العشر الاواخر بمثابة التتويج لهذه المتابعة فقد حصل انطباع يرتقي إلى درجة اليقين أننا امام ثورة روحية عبادية كبيرة اكتسبتها المرأة المغربية حفزت لديها وازع التدين السليم وأركز على كلمة "السليم " لان هذه الموجة الهائلة من التدين والتي غذتها قدرة المولى عز وجل اولا ثم عوامل المحيط والإعلام وكثير من الحراك الداخلي والخارجي هذا التدين قد جرف كثيرا من العادات التي كانت تغزو المساجد المغربية إلى وقت قريب، أقول إن تواجد المرأة في المساجد خلال السنوات الاخيرة تواجد فعال قطع الصلة مع كثير من الموروث الدخيل عن ديننا الحنيف غير انه يحتاج إلى الوقت وكثير من الجهد والصبر والبصيرة .
 
كانت جدّتي تصحبني في صغري الى المساجد وأهم ما لمحته ورسخ في ذهني شيخوخة تكتنف جناح النساء ...أما اليوم فقد دب الشباب في ارجاء هذا الجناح وحفته الحيوية وتزاحمت الصبيات والنساء والعجائز على الصفوف الأولى وأفصح القراء وصدحوا برواية ورش  بعد أن ودعوا "التلعثم" والى الأبد إن شاء الله.
بعد أن كانت جداتنا يتناثرن في المسجد في المناسبات القليلة... اليوم الجامعة والمعهد والمدرسة والمصانع والشوارع والمنازل ...أوفدت بناتها إلى بيوت الله.
 
لقد اختارت المراة المغربية أن تذهب إلى المعين وتتلقى بنفسها العلم والوعظ من مصادره دون واسطة متثاقلة حينا  متمنعة أحيانا.
إن الدعوة إلى الله تجدد دماءها وترسل نذيرا إلى الفساد والإنحلال والتقاليد البالية... فمرحبا بكم في بلاد القرويين وحاضرة الأندلس الشامخة ...مرحبا بكم في المغرب الحبيب.