أعيادنا ..فرحة وعبودية
29 رمضان 1429
يحيى البوليني

دائما وأبدا ما تأتي أيام العيد فرحة للكبير والصغير , وحق للمسلم أن يفرح فيها. وتختلف أسباب الفرح عند المسلم عن غيره فحينما يفرح الناس بالطعام والشراب واللهو يفرح المسلم لتمام طاعته لله ..

 
 فما من عيد للمسلمين إلا ويعقب طاعة لله , فعيد الفطر يأتي بعد صيام رمضان وقيام لياليه وذكر لله وتلاوة لكتابه ويأتي عيد الأضحى بعد أيام فاضلة من الطاعات للحاج بأداء مناسك حجه وإقامة شعائره ولغير الحاج بخير أيام في العام كله وهي أيام العشر من ذي الحجة فيكون فرح المسلم الحقيقي بتوفيق الله له وبتمام نعمته عليه وجميل فضله سبحانه فقال تعالى " قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ "
ولنا مع فرحة العيد وقفات :
 
يُشرع للمسلم أن يظهر فرحه بتلك المناسبات ويُسمح فيها مالا يُسمح في غيرها من الترفيه على النفس والأبناء فهي أيام أكل وشرب وذكر لله بشرط ألا يخرج فيها عن دائرة المباح ففيه متسع لمن يريد الفرح والسعادة ..
 
كذلك يستغلها المسلم في تعديل مفاهيم الفرح والحزن لدى أبنائه , فالمسلم يفرح لما يرضى ربه ويحزن لما يغضبه , فيوضح المسلم لأسرته أن العيد هو رمز لأمة الإسلام , فلكل ديانة أعيادها , وفرحنا بعيدنا هو مظهر من مظاهر انتمائنا لديننا ولذلك نهينا عن الاحتفال بأعياد أخرى فالعيد فرح وعبودية لله وإظهار ولاء لله ,لأن العيد شعيرة من شعائر الإسلام ومظهر من أجل مظاهره فعن أنس - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين، فقال: "كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما، يوم الفطر، ويوم الأضحى" [رواه أبو داود والنسائي].
 
وفرح المسلم بالعيد فرح حقيقي جامع يفرح به ملائكة السماء مع أهل الطاعة من أهل الأرض فتنزل الملائكة في يوم العيد وتدعو للمؤمنين الطائعين بالقبول وتقول لهم تقبل الله طاعتكم ..
وقد يفهم بعض الناس العيد بأنه انطلاق وفكاك من الطاعات,  فتكون أيام العيد هي أكثر أيام العام لهوا ومعصية وقد ابتلي بذلك بعض من المسلمين حتى قال قائلهم : رمضـان ولـى هاتهـا يا سـاقي .. مشتـاقة تسعـى إلى مشتـاق ... ويقصد بذلك الخمر !!
فالمسلم لا يعبد الأيام ولكنه يعبد رب الأنام ,فيحرص الأب على ترسيخ هذا المعنى في نفوس أبنائه 
 
وتهيئ الأعياد دوما فرصة سانحة لإعادة أواصر العلاقات بين الناس وأخصها ذوي الأرحام التي قطعتها علائق الدنيا فينبغي للمسلم أن يبدأ بنفسه ويرسخ في نفوس أبنائه الاهتمام بصلة الأرحام في العيد كي تمحى الضغائن وتذهب سخائم النفوس وتشيع البهجة والسعادة للجميع فلهذا ندعو كل مسلم أن لا يدع العيد يمر دون أن يراجع علاقاته مع أرحامه ، ويجتهد لصلتها ، وتقوية ما ضعف منها وليتذكر كل منا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سرّه أن يُبسط له في رزقه وأن يُنسأ له في أثره فليصل رحمه" رواه البخاري ..
 
والعيد فرصة لإظهار التفاؤل في حياة المسلمين فالمسلم دوما يتفاءل بصلاح الأمر في الدنيا والآخرة والمسلم لا يعرف اليأس من رحمة الله فيقول مع الخليل عليه السلام " قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ " ويردد مع يعقوب عليه السلام " وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ " وكان نبينا الكريم _صلى الله عليه وسلم _ يبث الأمل والتفاؤل في النفوس فعندما كان يحفر الخندق , والمسلمون محاصرون وهم في شدة عصيبة , وربط النبي على بطنه الحجر, وإذا بكدية تعرض له فيضربها وقول: " الله أكبر أوتيت مفاتيح فارس.. أوتيت مفاتح الروم " وعندئذ يتغامز المنافقون يقولون: أحدنا لا يستطيع الذهاب لحاجته وهو يبشرنا بمفاتح كسرى وقيصر!! وتمر السنون ويؤيد الله قول نبيه ويخذل المنافقين.. بل قال النبي _صلى الله عليه وسلم_ لرسله إلى اليمن أبى موسى ومعاذ: "بشِّرا ولا تنفِّرا ويسِّرا ولا تعسِّرا وتطاوعا ولا تختلفا
 
فينبغي أن تستغل تلك الأوقات الفاضلة في إظهار البشر والتفاؤل والتذكير دوما بتلازم اليسر بعد العسر والفرج بعد الشدة والنصر بعد الصبر وبعد شدة الظلمة فجر يلوح في الأفق يغمر الدنيا بضيائه ..
 
وينبغي التخطيط والترتيب والاهتمام بهذه الأيام , فالمسلم لا يفهم أن تربيته لأبنائه هي مجرد تأمين حوائجهم المادية فقط ولكنه يفهم ويوقن أنه من تمام تربيتهم ورعايتهم الاهتمام بتربية خلقهم ومداركهم ويمكن أن نقترح بعض ملامح لهذا البرنامج وهو أمر يتسع للابتكار:
 
أ‌-       احتساب النية في تلك الأيام لله عز وجل في إسعاد الزوجة والأبناء فإدخال السرور على مسلم من موجبات رحمة الله للعبد , فالجزاء من جنس العمل , ولنتذكر كيف تسابق المسلمون لابلاغ كعب بالبشارة فأسرع صحابي بكل قوته ليبشره بعفو الله عنه وصدره يمتلىء حبا وفرحا وسعادة وسرورا في حين بادر غيره فصعد على جبل سلع مناديا بأعلى صوته يا كعب بن مالك ابشر... يقول كعب : فخررت ساجدا وعرفت أنه قد جاء فرج فآذن رسول الله بتوبة الله عز وجل علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا فذهب قِبَلَ صاحبيّ مبشرون وركد إلى رجل فرسا وسعى ساع من أسلم قبلي وأفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيّ فكسوته إياه ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ فاستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت أتأمل رسول الله يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة ، ثم قال كعب فلما سلمت على رسول الله قال وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك مذ ولدتك أمك "
 
ففي رواية للطبراني " إن أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض : إدخال السرور على المسلم ، كسوت عورته ، أو أشبعت جوعته ، أو قضيت حاجته "
وللطبراني أيضا عن عائشة رضي الله عنها " من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورا لم يرض الله ثوابا دون الجنة " وله عن أنس رضي الله عنه قال " ” مَن لَقيَ أخاهُ المُسلِمَ بِما يُحِبّ لِيَسُرَّهُ بِذلك ، سَرّهُ اللّهُ عزّ وجَلّ يومَ القِيامةِ”  فإذا كان هذا الأجر العظيم لعموم في إدخال السرور على عموم المسلمين , فكيف إذا كان أهل ذلك البيت هم أهل بيتك فهذا أعظم أجرا
 
ب- تفرغ ما استطعت في هذه الأيام من عملك وشواغل قلبك عن أهل بيتك فهم أولى بك في تلك الأيام , ولا تجعلها أيام نوم وكسل وخمول وأيضا لا تجعلها أيام عمل فمن الناس من يدخر أعمالا لأيام العيد لينجزها في بيته كمراجعة الحسابات المادية وغيرها ,ويسرف على نفسه ,ويضيع حق رعيته فاعتبر نفسك في عمل أخروي جاد تؤجر عنه كثيرا بإذن الله
ت- وسع على أبنائك في النفقة المعتادة في تلك الأيام بحسب قدرتك فالطفل لا يستوعب الجوانب المعنوية بقدر ما يستوعبها مترجمة في أشياء مادية محسوسة فيجتهد كل منا أن يهدي زوجته وطفله شيئا خاصا بكل منهم في العيد بحسب قدرة كل منا ولنتذكر حث النبي _صلى الله عليه وسلم _ على الهدية التي تؤلف القلوب وأولى الناس بالرجل أهل بيته
 
ث- أكثر من الزيارات أو الخروج من البيت بصحبة الأهل في العيد للنزهة بحسب استطاعتك لكسر الملل فتغيير المكان يؤثر في النفوس إذ تتجدد طاقات الحب بين الجميع بالمصاحبة والزيارة والمعايشة, فالخروج الجماعي بالأسرة يزيدها ترابطا وحبا ولا تؤثر قرابتك بزيارتك فقط بل اجتهد أن يكون في جدولك زيارة أقارب زوجتك لأن ذلك يسعدها ويشعرها بتقديرك لها
تقبل الله طاعتكم