19 جمادى الأول 1439

السؤال

أنا في حيرة شديدة بسبب سوء علاقتي بزوجتي وهو مزمن يكاد يكون من السنة الثالثة من زواجنا الذي دخل - قبل شهرين- عامه الخامس والعشرين.

عندما ازدادت حدة خلافاتنا رأيت أن الفراق بإحسان هو العلاج الأخير، فقد فشلت الوسائل المشروعة من وعظ وهجر –ضربتها مرتين فقط بعد استفزاز شديد-. كما فشلت محاولاتي توسيط العقلاء من عائلتها وهم فضلاء حقاً وكان والدها-رحمه الله- يحكم بيني وبينها بإنصاف ونتفق على الأخذ بتوجيهاته.. وفعلاً تستقيم معي أياماً ثم تعود سيرتها الأولى.

والغريب أنها حفظت القرآن الكريم وسلوكها مع الجميع طيب باستثنائي!

والدتي رحمها الله كانت ترفض أن أطلقها وتسعى إلى نصحها بمحبة صادقة.

وكنت أحرص على بر الوالدة كما أن تعلقي بأطفالي جعلني أتراجع عن تطليقها.

لكنها استغلت محبتي الشديدة لأولادي فازدادت غطرسة وسوء معاملة..

الآن كبر الأولاد وتزوج اثنان منهم.. ووقعتُ في اضطراب بين قراري الذي أجلته سنوات وهو مفارقتها نهائياً وبين إشفاقي عليها بعد وفاة والدها وسوء سلوك أخيها الوحيد الذي لا يبالي بها ولا بأخواتها.

أشعر أن عمري ضاع وأن من حقي أن أحصل على زوجة أرجو من الله أن تكون صالحة فتعوضني عن عذابي الطويل..

آمل أن تنصحوني مشكورين ولا تؤنبوني مثلما فعل شقيقي الأكبر الذي كلما شاورتُه في هذا الأمر سخر مني وقال: بما أنك تحملتها كل هذه السنين فواصل صبرك وبلا مراهقة متأخرة؟.

أجاب عنها:
منذر الأسعد

الجواب

الأخ الكريم:

لم تبين في رسالتك طبيعة الخلاف بينكما، فربما لو ذكرتَه لكان في الإمكان تقييم الموقف بصورة أفضل. ولم تذكر لنا مواقف أولادكما من خلافاتكما المستمرة فهذا عنصر مهم.

 

عموماً: أشكر فيك - ابتداء - صبرك على زوجتك –أصلحنا الله وإياها- وأنت مأجور إذا احتسبت صبرك ذلك عند الله عز وجل.

 

ولا شك أنك تدري أن البيوت جميعها لا تكاد تخلو من مشكلات بين الزوجين، وأن الناس في ذلك بين حكيم صابر، وغضوب متململ، ومتعجل نافر.

 

فالحكيم الصابر نال أجر الصبر، ولبس ثوب الحكمة، وتزين بالقناعة والرضا، وأجر حسن معاملة زوجته – تلكم التي أمر بها ديننا الكريم -، وبذل ما يستطيعه لإصلاح زوجته، فكانت تنصلح معه يوما وتعود لسلبياتها يوما، لكنه استمر في صبره واحتسابه وتعليمه لها وتوجيهه، واستطاع النجاة بسفينة أسرته من البحر اللجي المتلاطم من المشكلات، نعم يكون قد آثر راحة أسرته على نفسه، وقدم مصلحة أولاده على منفعته الذاتية، وتحمل بعض المعاناة، في مقابل إنجاح تجربته الأسرية..

 

وأما الغضوب المتململ فإنه قد عاش حياة غير سعيدة، ولم يقنع بحاله، ولم يستطع الصبر على عيوب زوجته، وفي ذات الوقت لم يستطع أن يتخذ قرارا حاسما بشأن نفسه، فعاش في غضب ومشكلات مستمرة، وأثر ذلك سلبا على أولاده ونفسياتهم وتربيتهم، وعاش في قلق ونكد.

 

وأما المتعجل النافر، فقد نفرت نفسه من عيشته، ولم يصبر قلبه على عيوب زوجته، فقرر النفور من زوجته والبحث عن السعادة مع زوجة أخرى، غير مبال لأي سلبيات تحصل لأسرته وأولاده.

 

واعلم يا عزيزي أنه ليس كل البيوت من حولك تشترط لسيرها واستمرارها أن تكون أنموذجا أمثل، بل يكفي فيها في بعض الأحيان أن تسير بأمان وتتعاون على البر والتقوى، وتعين بعضها على المسير نحو الآخرة، فالأمر أعجل من ذلك.

 

وقد يحصل في بعض الأحيان أن يكون العيب من الزوج نفسه رغم أنه هو صاحب الشكوى، (فعندما يعيد حساباته ويؤدي واجباته قبل أن يسأل عن حقوقه، وينظر للإيجابيات في زوجته)، أن يتغير حاله وتتعدل نظرته.

 

وأنا ههنا أنصحك (بعد عمرك الطويل مع زوجتك، وما ذكرته من حسن دينها، وحفظها لكتاب الله، وحسن علاقتها بالناس) أن تكون الحكيم الصابر، فتكمل مسيرتك بالرضا والقناعة والنجاح، متخذا كل الأساليب في ذلك، مبتعدا عما ذكرته من الضرب والإيذاء البدني والنفسي.

 

ولست أنصح ههنا بالابتداء في تجربة جديدة لزوجة جديدة في هذا العمر ومع تلك الأعباء الأسرية، إلا أن تجد من نفسك إلى ذلك حاجة واضحة وإلحاحا ماسا، فعندها عليك بالميزان الحكيم والتصرف المدروس الرصين والعدل المستقيم والنفقة التامة، لئلا تفسد من حيث تريد الإصلاح وتضر نفسك وحياتك من حيث تريد المنفعة.

 

وأوصيك بالدعاء المخلص اللحوح أن يصلح الله لك زوجك، وأن يرضيك ويقنعك، ويصبرك.

شكر الله لك ثقتك بالموقع والقائمين عليه وأسعدك وأصلح بالك.