هويتنا النازفة
11 جمادى الأول 1439
د. خالد رُوشه

أتكلم ههنا عن الهوية الإيمانية وأهميتها ، في وقت صار الحديث فيها وعنها ضربا من الغرابة عند كثير من ابناء أمتنا !

 

إذ بلغ بنا الحال في بعض بلدان أمتنا الإسلامية أنك لو قمت برفع شعار غربي قد اشتهر بين الشباب وصرخت به داعيا الناس إليه ، لن تجد من الاستهجان أو الاستغراب عشر معشار ما قد تجده إن أنت قمت في نفس المكان برفع بعض شعارات تبين ميولك الدينية !

 

أنا هنا أتحدث عن أزمة فعلية تجتمع فيها مسارات واقعية وفكرية ثقافية وتنموية اجتماعية تجتمع كلها لتشكل أزمة التكوين الثقافي والسلوكي والفكري .

 

التراجع في البناء العقدي يمثل محورا هاما من محاور البحث في هذه القضية .

 

ففي المساحة الفارغة من عقول كثير من ابناء امتنا بدأ الوعي في التغير وفقدت المقولات المهمة قيمتها فغدا القبول بقيم الآخرين شيئاً مألوفاً ، وبسلوكيات الآخر وطريقة تفكيره شيئا مرغوبا

 

وكما أن قضية الهوية تعد أزمة موجبة للعلاج ، فلابد للنظر إليها من خلال أزمة أخرى أكثر إيجابا للعلاج هي أزمة الهوية المجتمعية التي تسبب الضياع الفردي والذوبان في المغاير...

 

الهوية في الأدبيات المعاصرة تعني مطابقة الشيء لنفسه، أو لمثيله، وفى المعاجم الحديثة فإنها حقيقة الشيء أو الشخص المطلقة، المشتملة على صفاته الجوهرية، والتي تميزه عن غيره.

 

فالهوية الثقافية والحضارية هي المشترك من السمات التي تميز حضارة هذه الأمة عن غيرها من الحضارات.

 

ولست في حاجة لبيان المظاهر السلبية المتكاثرة التي قد يراها البعض انفتاحاً وتقدماً ورقياً في حين أنها في قيم الإسلام مرفوضة وتمثل خرقا لهذه الهوية
 

إن الأزمة بلغت إلى حد أن الأمة صارت تستورد قيمها من غيرها لتبني حضارتها ، ولاشك أن هذه من أعظم المثالب الحضارية

 

 لقد تكاثر أثر مايمكنني هنا أن أسميه التيه الحضاري ، إلى ذوبان الخصوصيات الثقافية المميزة لابناء أمتنا في كثير من بلدان الإسلام .

 

 وبأي تعبير كان فإن الثلمة في البناء العقدي والقيمي  للهوية والثقافة بخصوصياتهما ومكوّناتهما ومقوماتهما، هما المستهدف في المقام الأول، وهو الغاية التي يسعون إليها .

 

ولم يعد الأمر في الحقيقة قاصرا على مشكلات الانبهار بالغرب والتطلع لمشابهتهم ، لكن تطور الأمر تطورا سلبيا بلغ حد تناول قضايا التحرر الواسع من القيم المقومة للسلوك والفكر ، وضعف الولاء للبناء القيمي والمبادئي والمعيشي الإسلامي !

 

لدينا إشكالية - لابد من مناقشتها على مستوى التخصص - حول الفرق بين الأثر الناعم للرؤى التي تلبس ثوب التحرر ، فهي تقنوية وعملية ونخبوية تعرض عرضا مزخرفا كمنتج جديد في سوق متسع ، تعمل على إيجاد نماذج متقاربة عبر العالم ، فتتهدّد الهوية والثقافة في آن واحد ، وبين قيمنا الثمينة المتكاملة التي تفتقر إلى الدعم الحقيقي كما تفتقر لمن يحسن حملها !

 

لقد وصلت يد التحريف والتجريف إلى المفاهيم الثابتة ، كي تتفق مع الأفكار التي تروجها العولمة المعاصرة، باستبعاد الحديث عن الغيبيات واعتباره مضادا للعقلانية !

 

وعملت على إيجاد فئات ومؤسسات تعمل كوكيل للثقافة الغربية ، ويعد الإعلام مرتعاً خصباً يتم من خلاله البث الثقافي المراد لإشاعة ما يخالف القيم الثابتة

 

التحدي التربوي هو الآخر يبدو مشكلا في مثل هذا الواقع ، وتبدو حاجتنا أكثر من أي وقت مضى لصياغة حديثة لنظرية تربوية إسلامية تكون في مواجهة التحديات والمخاطر ، و تهتم بالبناء المجتمعي والشخصي قيميا ، كما تهتم بالتعليم المرتكز على عدة مبادئ، كالاهتمام بالبيئة التعليمية والتعليم الشخصي المبتكر .

 

 تلك النظرية المبثوثة بشكل كامل بين ثنايا المفاهيم الإسلامية ، ولا تحتاج سوى الاهتمام والصياغة التطبيقية .

 

 

إننا نواجه أنواعا مختلفة من الشكاوى والتوصيفات التي يجب علينا تفكيكها :

 

فالفراغ النفسي والمعنوي والطموحي لدى الشباب ، وعدم وجود الشخصية النموذجية التي يأمل دائماً أن يتشبه بها في ظل رؤياه لشخصيات مادية قد أثبتت نجاحات متتالية على المستوى المادي والتكنولوجي

 

والشباب المسلم هنا بحاجة ماسة لبناء الطموح عنده عن طريق توجيهه للاقتداء بكبار وعظماء الأمة في تاريخها الزاهر وبأبطالها أصحاب الإنجازات المشاهدة في عصرها الحديث.

كذلك الهجمة الإعلامية العالمية التي تصور المسلمين بصورة دونية مستذلة مع ضعف ما ذكرناه من البناء القيمي في داخلهم .

 

هذا ولاشك يحتاج إلى قدر كبير من اليقين والإيمان باليوم الآخر وبالقضاء والقدر.

 

إن لدينا الإسلام الذي هو البديل الحضاري الأوحد الذي يمكن أن يملأ الفراغ الذي تعانيه الحضارات الأخرى ، ويستطيع – بقليل من اهتمام – أن ينافس حضاريا ويفوق ويتقدم .

 

فيمثل بناء الإنسان المتكامل هدفا له ، وتربيته على أخلاقيات عقائدية تمنحه المناعة المطلوبة .

كما يمثل تصحيح المفاهيم الخاطئة التي أصابت ثقافتنا ، مما أدى إلى انحراف الفرد والمجتمع عن الإيجابية والانتاجية والتفوق ، هدفا ثان

 

وتأتي القدرة على الاستفادة من المنتج الحضاري للآخرين في صالح أمتنا هدفا آخر بارزا

ثم الإجابة التفصيلية على سؤال حول : كيفية مخاطبة العالم من حولنا بكل تلك المفاهيم والقيم التي تحويها رسالتنا السامية ، بشكل يظهر حقيقتها الوسطية السمحة الرفيقة .