كنت في بعض كلماتي اقول أن " ساعة من اللعب للابناء ربما تنفعهم في بناء شخصياهم أكثر مما تنفعهم ساعة مذاكرة "
فاللعب الموجه المقوم المبني على رؤية علمية تربوية ينفع نفعا كبيرا في بناء شخصية الابناء واستقامها وعلاج أمراضها .
والعاب الأطفال مجال ذاخر بالفوائد في كسب الخبرات وتفهيم القيم وتوصيل المعاني للابناء بصورة سلسلة بسيطة ترسخ في عقولهم وتستمر معهم طوال أعمارهم .
وفرق كبير بين دقائق اللعب التي قد تتدفع إليها بعض الأمهات ابناءها لإشغالهم عنها أو إسكاتهم ، وبين دقائق من اللعب المتميز المختار المتابع .
فللعب تأثير مباشر على نموهم العضلي , والعقلي , والعاطفي والاجتماعي أيضاً , فاللعب يسهم في نمو العضلات الصغرى والكبرى ونمو الأطفال بشكل طبيعي ويساعد الأطفال في توضيح وتنمية بعض التصورات والمفاهيم الهامة نحو الذات أو نحو الآخر , ونحو الرضا أو الرفض , وكيف يرون الآخر من خلال ممارسات اجتماعية يومية .
كذلك فإن شخصية الطفل تكتسب سماتها وأنماطها من خلال أنشطة التفاعل مع الآخرين , وأول هذه الأنشطة التي يتعرض إليها الطفل هو نشاط اللعب .
فاللعب يقدم للطفل قدرة بنائية على تقييم مدى أثر أفعالة المختلفة وتصرفاته وردود الأفعال تجاهها , وهو كذلك يمد الطفل بسعة خيالية وإمكانات إبتكارية تساعد على تميزه فيما بعد .
ويحمل اللعب العديد من الفوائد النفسية للطفل؛ بل ويمكن أن يساهم في تحسن بعض حالات الأمراض المتعلقة باضطراب السلوك أو الأطفال الذين يعانون من مشكلات نفسية.
ويعتبر اللعب العلاج الأمثل للانطواء والشعور بالعزلة والخجل لدى الأطفال وكذلك القلق والاكتئاب، ومن المعروف أن بعض المشكلات النفسية تتكون في السنوات الأولى ، كما أن الحرمان من اللعب من العوامل التي يمكن أن يكون لها أثر بالغ السلبية في ما بعد،
والواقع أن الأطفال في السن الصغير لا يستطيعون وضع الحد الفاصل بين اللعب وبين الحياة بصورة دقيقة .
فطفل ما قبل المدرسة يكون غالب يومه لعب , ويبدأ طفل المدرسة في التفريق بين فترة الجد والاستذكار , وفترة اللعب , ويكون لذلك أثر إما سلبي وإما إيجابي تجاه الدراسة فيما بعد , ومن هنا فبعض المفكرين التربويين يرى أن السنين الأولي في الدراسة الابتدائية ينبغي أن تتحلى بالترفيه وتقترب كلما أمكن من مفهوم اللعب عند الأطفال حتى لا يتكون في داخل الطفل نفور ذاتي من جو الاستذكار الدخيل عليه .
إلا أن آخرين يرون أن تحديد وقت للجدية وإيقاف اللعب في بعض ساعات النهار - سواء للاستذكار أو للصلاة أو للطعام أو مثاله- ينشئ حداً فاصلاً بين حياة اللهو واللعب عند الطفل وبين الجدية والتأثير وهذا ما نميل إليه بالفعل , بشرط أن يتم ذلك تدريجياً في السنتين الأوليين من سني الدراسة الابتدائية , وأن يرتبط إدخال العملية الدراسية لبيئة اللعب إدخالا تشجيعيا وتحفيزيا يصل بالطفل لحب العملية الدراسية , فيتكون لديه مزيج نفسي شعوري بين رغبة اللعب والإنجاز فيه ورغبة التعلم والانجاز فيه .
وباعتبار اللعب نشاطاً , فإننا بصدد الحديث عن الحاجة في توجيه ذاك النشاط بأن نسمح بعناصر التوجيه الإيجابية في المتعلقات المؤثرة في اللعب , دون التدخل في نفس النشاط الذي يمارسه الطفل ، كتوجيهنا لشكل اللعبة , وإمكاناتها , واختيار مكان اللعب , والمشاركين في اللعب , والإمكانات المتاحة , والظروف المختلفة التي تحيط بالطفل أثناء اللعب
كذلك فإننا ننصح المربين الذين يعتمدون في مسألة اللعب على نوع مخصص من الألعاب والدمى , فيجب ألا نختار للأطفال الألعاب كثيرة الجاذبية أو واسعة الإمكانات , ولنحاول دوماً أن نختار نوع اللعبة التي يتفاعل معها الطفل أثناء لعبه , ويقوم هو بذاته تجاهها بدور ما .
كما أننا هنا لا ننصح بما نراه في بعض الروضات ونوادي الأطفال من تخصيص غرفة يوجد بها أو تحوي ألعاباً معينة يراها الطفل ويتفاعل معها يومياُ بطريقة ثابتة , ونرشح بصورة أكبر إمكانية وضع مواد أوليه مناسبة للأطفال تجعلهم يبنون بأنفسهم تصورهم للعبتهم التي يختارونها , ولا شك أن التجوز في هذا الاختيار مفتوح , ولا يخضع لقواعد صارمة ولكنه من قبيل اختيار الأفضل .
والحقيقة أننا لو تفهمنا الوظائف الفعلية للعب عند الأطفال سنستطيع رؤية الموقف الذي يمر به الطفل أثناء لعبه بشكل أوضح :
فمثلا لو نظرنا إلى اللعب كوسيلة لتفاعل الطفل مع بيئته , سنجد أن الطفل من خلال اللعب يكرر , ويجرب , ويحاول , ويكتشف , ويغير أشكالا وأوضاعا مختلفات أثناء لعبه , وهذا يمَكنه من بناء تصور خيالي ذاتي في ذهنه مع إمكانية تحويله إلى واقع .
كذلك لو نظرنا إلى اللعب كوسيلة للوعي , فسنرى كيف يمزج الطفل بين الكائنات الحية وبين الجمادات , ويحاول بناء شبكة اتصال مع الأشياء من حوله .
ومن حيث كون اللعب وسيلة للتعليم نرى كيف تنمو أحاسيس الأطفال تجاه معاني الأشياء عن طريق عيونهم وجلودهم وعضلاتهم وحواسهم المختلفة وتغذى بها عقولهم وتتيح لهم رؤية جديدة ومتجددة لعناصر البيئة المحيطة
وظيفة أخرى فعالة للعب يجب أن نحسن رؤيتها , وهي إكساب أنماط السلوك المختلفة للطفل أثناء لعبه , فنستطيع أن نرى الطفل ( باحثاً ) عن بعض ما يخفى عليه , و (اجتماعيا ) مع الذين من حوله , و(مديراً ) للعناصر المحيطة به , و( أباً وأما أو ابنا أو جندياً أو غيره ) في بعض الأحيان ..
إن اللعب يهيئ للطفل فرصة للاستمتاع في بدايات عمره ومع نموه فإنه يهىء فرصة أخرى للتحرر من واقعه الملئ بالقواعد والقيود , وفرصة لتحقيق أهدافه وزيادة معارفة , وتفاعل حركاته الوجدانية ما يجعلنا نعقد بأهمية عقد دراسات متتاليات وبحوث ذات جدوى حول اللعب وكيفية الاستفادة منه .