من هدي حديث نبوي كريم .. " كان اذا انصرف من صلاته استغفر "
25 رمضان 1439
د. خالد رُوشه

فعن ثوبان رضي الله عنه  :" أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً " أخرجه مسلم
 
 إنه الطريق المضىء الاوحد ، والسبيل المستقيم السوي ، طريق العبودية الصادقة ، وسبيل الطاعة الامتثال لله سبحانه ..
 
ذلك الطريق شاء الله له ألا يذلل إلا بالبعد عن الآثام ، والسعي إلى محو السيئآت ، فإذا حصل ذلك ، صار ذلولا سهلا ، ااء جوانبه ، وتيسرت خطاته ..
 
لا سبيل الى ذلك إلا بالتوبة الدائمة والتطهر من كل إثم عالق ، والاستغفار من كل ذنب سابق ..
 
إنها الصلة بين العبد وربه ، ولا يعرفها إلا من عرف صفة العبد وفقره وحاجته، وعرف صفات الرب جل جلاله، تلك الصفات العلى.. إنها صلة غريبة فريدة لا نظير لها ولا مثال ، قوى بالاستغفار والتطهر من الإثم والتذلل على باب الدعاء والرجاء
 
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "فاعلم أن سر العبودية وغايتها وحكمتها، إنما يطلع عليها من عرف صفات الرب - سبحانه - ولم يعطلها، وعرف معنى الإلهية وحقيقتها، ومعنى كونه إلهًا، بل الإله الحق وكل إله سواه فباطل، بل أبطل الباطل، وأن حقيقة الإلهية لا تنبغي إلا له "
 
لقد حرص الصالحون دائما على تقوية تلك الصلة الشفافة بينهم وبين خالقهم.. وكانوا كثيرا ما يتألمون عند ذكر ذنوبهم وتقصيرهم في حق ربهم:
 
فإذا تأمل العبد في ذلك احتاج أن يكون في خضوع دائم، وركوع وسجود لا انقطاع لهما، ومناجاة ودعاء لا نهاية لهما أمام ذاك الرب الكريم، لا إله إلا هو ..
 
وإذا أنعم الله سبحانه على عبده المؤمن بعمل صالح فإنها خير النعم , وحق لذلك العبد أن يفرح , لكنه فهو في حيرة إذا أنهاه , إذ إن فرحته بعمله الصالح تجعله خائفا أن يتبعه بآخر سيئا , أو يخشى من السقوط في معصية بعدما عمل صالحا وسار في سبيل هدى
 
وههنا وجهنا المنهج الإسلامي نحو نوع من ختام للأعمال الصالحة يليق مع طبيعتها , ويناسب آمال كل عامل صالح , ويزيل مخاوف كل خائف , ذلك هو الاستغفار.
 
 
فالاستغفار مناسب عند ختم العبادة والعمل الصالح أجمعه إذ يجبر النقص فيه و ويملأ قلب العبد طمأنينة وسكينة , ويحفظه من الإعجاب بعمله , ويذكره بتقصيره الفائت وبأنه بحاجة إلى تكرار الصالحات مرات ومرات , وبحاجة الى توبة نصوح دائمة .
 
فقد كان من هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ختمُ الأعمال الصالحة بالاستغفار، بل إن من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختم قراءة القرآن والصلاة وسائر العمل بذلك الاستغفار بعد تسبيح الله وتمجيده عز وجل , فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسًا قَطُّ، وَلاَ تَلاَ قُرْآناً، وَلاَ صَلَّى صَلاَةً إِلاَّ خَتَمَ ذَلِكَ بِكَلِمَاتٍ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَاكَ مَا تَجْلِسُ مَجْلِساً، وَلاَ تَتْلُو قُرْآنًا، وَلاَ تُصَلِّي صَلاَةً إِلاَّ خَتَمْتَ بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ ؟ قَالَ:( نَعَمْ، مَنْ قَالَ خَيْراً خُتِمَ لَهُ طَابَعٌ عَلَى ذَلِكَ الْخَيْرِ، وَمَنْ قَالَ شَرّاً كُنَّ له كفارَة: سبحانك [اللهم] وبِحمدك، لاَ إِله إِلا أنت، أَسْتَغْفِرُكَ وَأتوب إِليك ) النسائي
 
 فعلى الرغم أن الصلاة كلها ذكر وعبودية , فأمر أن ينهيها بالاستغفار وتذكر الذنب ورجاء مغفرته . وقال الله تعالى: " وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ " ، وقال تعالى " وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ " فهم يصلون بالليل ثم يستغفرونه عند السحر .
 
  وعند نهاية أعمال الحج أمر سبحانه به ايضا ليزداد المؤمن تواضعا مع ربه وذلة وانكسارا , فكلما ازداد انكسارا زاد عند الله رفعة ." ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ "
 
  وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ختم مجالسه بالاستغفار، روى أبو داود عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس: سبحانك اللهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاَّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك ))أبو داود.
 
 فالاستغفار عبادة يحبها الله من عباده وشرعها لهم تفضلاً منه وإنعاماً ليكفر عنهم سيئاتهم ويمحوها , فأمرهم بها طوال حياتهم , وامرهم بها فور عباداته : روي عن لقمان أنه قال لابنه: «عود لسانك: اللهم اغفر لي فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً» .
 
  وقال قتادة: «إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم فالذنوب، وأما دواؤكم فالاستغفار».
 
  وقال الحسن: «أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقاتكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة».