لحظة ألا تقدر على شىء !
4 ذو القعدة 1439
د. خالد رُوشه

ضعيف هو الإنسان ، ضئيلة قدراته ، محدودة وسائله ، لكنه لايزال يستقوى على غيره ، ويعصي ربه ، غافلا عن حاله ، ناسيا أجله الذي يقترب منه كل يوم ، ولقاءه ربه وحسابه على ما قدم ..

 

ورغم أن الحياة من حوله والأحداث تعلمه في كل لحظة درسا يقينيا بضعقه ذاك ومحدوديته ، وضرورة حاجته لربه ومولاه وقيمة مسارعته إلى التوبة والإصلاح ، إلا أنه لايزال مصرا على عناده ، وربما إفساده 

 

 

ولحظات الضعف الإنساني كثيرة متكاثرة ، في كل يوم تمر على كل أحد منا مرات ومرات ، وكأنها تحاول إيقاظه وتنبيهه وتذكيره .

 

فلحظة قيامه من نومه لحظة ضعف ،إذ يقوم وكأنه يبعث من جديد ، بعدما لم يكن يقدر لنفسه على شىء أثناء نومه ، وقد يتخبطه الشيطان بالأحلام المزعجة والكوابيس الثقيلة التي لا يملك أحد أن ينجو منها إلا بلجوئه إلى الله سبحانه وذكره ، فيقوم ضعيفا لا يقدر على شىء ، سعيدا بعودة جديدة 

 

لذا كان صلى الله عليه وسلم يحمد الله على قيامه من نومه ويشكره على المهلة الجديدة ..

 

ثم هو يقوم جاهلا بما سيحصل له في يومه ذاك ، مهما كان حاله ومهما كانت قدراته التكنولوجية والمعرفية ، فإنه لن يعد التوقع والظن ، أما اليقينيات والحقائق فيما سيحصل له بعد ساعة ، فهو لايملك شيئا منها ، فقد تراه خارجا في قوته لايعلم أن إنكسارا سيحل به أو مصبحا في تجارته لايظن أن خسارة ستفقره ..وهكذا

 

فكان المعلم الهادي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه " خير هذا اليوم وخير ما فيه ويتعوذ بالله من شر هذا اليوم وشر ما فيه " إذ هو بغير ذلك السؤال ضعيف لا يستطيع لنفسه نفعا ولا يدفع عن نفسه ضررا .

 

ثم تأتيه في يومه لحظة أخرى ، يفقد فيها حبيبا له ، فلا يستطيع أن يرجعه ، ولايملك إلا أن يبكي عليه ، ويتحسر على فراقه ، ولو كان يملك إرجاعه بمال أو جهد أو سلطان لفعل ، لكنه يبكي بكاء الضعف ، وينزوي على نفسه انزواء العجز ، ولايملك حينها إلا أن يتمنى له الرحمة والعافية 

 

ثم بينما هو في ملكه وماله وبين أهله وحمايته وجدرانه ، إذ فجأه المرض الشديد ، فضاق نفسه ، وتحشرجت حروفه ، وصار كأنه يتنفس من ثقب إبره 

 

ومرت حياته أمام عينه في تلك اللحظة ، فلاقيمة لمال جمعه ، ولا لجاه صارع عليه ، ولا لزخرف بناه وألهاه ، ولا لتعب وجهد أنهكه ليل نهار فأغفله ..

 

وبلغ ضعفه منتهاه ، فلا يقدر حتى أن يشير بأصبعه على شىء من المتاع ، ولا أن يتكلم بكلمة ليدفع عن نفسه الألم 

 

ويرجو أن يصلح ويستغفر ، ويرجو أن يتوب وينيب ، يرجو أن يعيد الحقوق ، وأن يستسمح المظلوم ، وأن يرد الأمانة ، ويرجو حتى أن يتأوه بقولة " آه " .. لكنه لايستطيع  

 

بل هو كخرقة بالية ، تتناوله أيدي المسعفين ، وتحيط بجسده أجهزة المستشفيات ، وتفحصه أعين الأطباء عن كثب .. وهو متعلق بأمل خافت ضئيل يغترب شيئا فشيئا ..

 

ثم ما هي إلا لحظات فيثقل جسده ، ويرى مآله ، فيحيطه الندم ، وتحتويه الحسرة ، ويلفه الرحيل ,,

 

إنه لا نجاة حينها إلا لمن قدم لهذه اللحظات ، ومن اعتبر من حال غيره ، ومن أيقظ نفسه من غفلتها ، وناداها من تيهها العابث الموهوم ، وذكرها من نشوتها بالمتاع الفاني الزائل وبالصور المحيظة الفارغة ..

 

يقول سبحانه : " فلولا إذا بلغت الحلقوم ، وأنتم حينئذ تنظرون ، ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ، فلولا إن كنتم غير مدينين ، ترجعونها إن كنتم صادقين ... "