مؤتمر التوحيد الهائل ، ونداء الإيمان الهادر
4 ذو الحجه 1439
د. خالد رُوشه

في أوقات تفتح الأمم ابواب ثقافتها للإلحاد والبعد عن الإيمان ، فتبذل الغالي والثمين دعما لذلك ودفعا له ، فتنشر الكتب ، وتبث المحاضرات ، وتلقي بالشبهات ، وتتبنى الأشخاص اصحاب الانحراف الإيماني ، البعيدين عن قيد الديانة ، وتنشىء المؤسسات الخاصة لزعزعة المؤمنين عن إيمانهم بربهم واقتصارهم على شأن الدنيا الفانية ، في ذلك الوقت ذاته تهوى القلوب نحو مؤتمر التوحيد العالمي الأعظم .

 

من كل حدب وصوب يأتي الصوت الهادر بالتلبية إعلانا بالتوحيد ، مصدره كل مناحي الأرض ، إذ تجتمع عليه القلوب من كل حدب وصوب ، ومداره حول البيت العتيق والمناسك من حوله .

 

أينما تيممت سبيلا تهز الآفاق من حولك أصوات حروف التوحيد الشريفة المباركة ، عبر الموكب النوراني الرباني الابيض ..

 

تحط القلوب الهاوية إلى البيت العتيق ، وتستقر وتهدأ نبضاتها منتظرة بداية لحظات يوم التروية ..

 

مؤتمر هائل ، ونداء هادر مقصده الأول وغايته العليا تحقيق التوحيد وإعلاء شأن العبودية ..

 

 لما سمع التلبية الصحابي جابر بن عبد الله قال : " أهل بالتوحيد " .. فابتدأ بشعار التوحيد في هذا المؤتمر الأكبر وكأنه إيذان بأنه العلامة الأولى والراية المتقدمة في تلك العبادة الربانية الإيمانية العظيمة

 

والآيات التي تحكي ابتداء البناء , تحكي بقضاء الله أن يقوم البيت على التوحيد ونبذ الشرك كأول مقومات له :" وإذ بوانا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود " , والمفسرون على أن تطهير البيت إنما هو تطهير من الشرك والوثن , وتخليصه للتوحيد والعبودية التامة

 

 كما وصف الله سبحانه الحجيج الملبين للنداء المستجيبين لأمر الله , القادمين إلى البيت العتيق في الآيات التاليات بأنهم : " حنفاء لله غير مشركين به "

 

 لذلك كان أول ماأرسل به الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر ثم عليا إلى مكة " ألا يحج بعد اليوم مشرك ولايطوف بالبيت عريان " أخرجه البخاري

 

 كما ارتبط التوحيد بمناسك الحج , فجاء الذبح يشترط اسم الله عليه , إثباتا لربوبيته سبحانه إذ هو الذي رزقهم تلك الأنعام وإقرارا لألوهيته وتسليم العبادة - التي هي هنا الذبح والنسك -  له سبحانه : " ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله اسلموا وبشر المخبتين .."

 

 

والسنن في الحج تشي بذلك المعنى بوضوح , فالقراءة في ركعتي الطواف يسن أن تكون بالإخلاص والكافرون , والذكر أثناء السعي يسن أن يكون التكبير والتهليل والتوحيد , وفي يوم عرفة قال صلى الله عليه وسلم :" خير الدعاء يوم عرفه وأفضل ما قلت أنا والنبيون من بعدي لا إله إلا الله " أخرجه الترمذي

 

 كذا أمر بالإخلاص التام اثناء الحج أمرا متتابعا على كل وجه , فالسلوك كله لله والنسك كله لله والنية مخلصة له سبحانه لذلك لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يهل قال :" لبيك اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة " أخرجه ابن ماجه

 

قال ابن رجب : "ومما يجب اجتنابه على الحاج وبه يتم  بر حجه ألا يقصد بحجه رياء ولا سمعة ولا مباهاة , ولا فخرا ولا خيلاء, ولا يقصد به إلاوجه الله ورضوانه, ويتواضع في حجه, ويستكين ويخشع لربه "