كثير من شباب أمتنا أصابتهم شيخوخة من نوع فريد , فأعمارهم صغيرة , وقوتهم فتية , إلا أن طموحهم منكسر , وعزيمتهم غائبة , ورؤيتهم تائهة , ونظرتهم للمستقبل مظلمة قاتمة !
فتراهم وكأنهم قد بلغ بهم العمر أرذله , و نخرت الشيخوخة في عظامهم فأثنت ظهورهم , ونكست رؤوسهم , ورهّلت جفون عيونهم !
بالطبع فهؤلاء الشباب لايقوون على الصمود أمام مشكلات الأيام , وعقبات الحياة وصعب المواقف , فلا عجب عندئذ إذا رأينا الأمراض النفسية قد حاصرتهم , وقد أكل الاكتئاب بسماتهم , وافترس اليأس نشاطهم وحيويتهم .
الاسباب وراء شيخوخة شبابنا كثيرة , لكن هناك سببان هما الأكثر تاثيرا , أولهما ضعف الإيمان والآخر ضياع الهدف .
فالإيمان بالله سبحانه هو حياة القلوب والنفوس , وهو عمودها الصلب الذي يقيمها فلا تنكسر , ويثبتها في مواجهة الرياح من حولها .
والإيمان بالله سبحانه ينبت الشجاعة في قلوب الشباب , فيتلاشى خوفهم من المخلوقين , وينبت ثقتهم في أنفسهم إذ يتوكلون على القوي العزيز , ويطرد اليأس إذ الأمل دوما في الله سبحانه .
فإذا آمن شبابنا بربهم واستقر الإيمان في قلوبهم هانت عليهم الخطوب , وصغرت في أعينهم الملمات الصعاب , وانتظروا اليسر بعد العسر , والمنحة بعد المحنة .
وإذا استحضروا مآلات الحياة , وعملوا بإخلاص لوجه ربهم المتعال , وجعلوا الآخرة نصب أعينهم , قويت شوكتهم في مواجهة الباطل , وتضاءلت أمامهم المطامع , وتألقت في أعينهم معاني العزة الإيمانية , وصاروا يتركون بصماتهم المضيئة المصلحة في كل مكان مروا به .
وأما وضوح الهدف فهو الدافع الأول نحو العمل الإيجابي النافع , وهو المثير نحو التميز , والمشجع تجاه التقدم والتفوق والتسابق بل والفوز .
وإذا فقد الشاب هدفه , وجد نفسه في تيه لايدرى أوله من آخره , قد أحاطت به ظلمة مغيبة , فلا يكاد يرى طريقه , فهو يسير سير التائهين , ويتخبط بين الاقدام .
وقد يستغرب البعض من حديثنا عن فقدان الإيمان وغيبة الهدف لدى شباب أمة يكثر حديثها عن الإيمان في كل موطن , وينتشر حديثها عن الأمل والطموح في أدبياتها وأشعارها , بل وفي أحاديثها وأحلامها !
والحقيقة , أن كثيرا من هؤلاء يتحدث عن قوة الإيمان ويستمع إلى الحديث عنه , لكن تذوقه له لم يكتمل , ومخالطة بشاشة الإيمان قلبه لم تستقر , فهو لم يربط رباطا وثيقا من محبة الله سبحانه ولا الإخلاص له في قلبه , ولم يخطو خطى نحو العبودية الحقة , فيحمل رسالة أمره ربه بحملها , ويأخذ قرارا واضحا بالاستقامة .
كما أن الكثيرين من شبابنا استبدل حاجاته بأهدافه , فصار سعيه في الحياة لجلب حاجاته فحسب , فذابت أهدافه ذوبانا لم يبق معه شىء منها , وطغت متطلباته فوسعت حياته بأجمعها , سواء في ذلك الأغنياء والفقراء !
هناك أزمة اجتماعية وثقافية حقيقية نعاني منها , لم نستطع معها تكوين بيئة مناسبة لتربية هؤلاء الشباب ونشوئهم نشأة صحيحة , على الرغم من حبنا الشديد لهم , وعلى الرغم من تضحياتنا الكبيرة لأجلهم , لكننا – ولابد لنا أن نعترف – نكاد أن نفقدهم في غمار هذا المعترك المضني مع تقلبات الحياة وصراعات أعداء الحق .
يجب أن تكون لدينا تصورات واضحة تجاه هؤلاء القادمين , الذين سيتولون – رغما عنا – دفة قيادة المجتمع عن قريب , كيف إذن سيكون شكل ذلك المجتمع مع هذا الكم الثقيل من اليأس والتيه وضعف الإيمان ؟!