حبنا.. وحبهم!
4 جمادى الثانية 1440
د. عبد المجيد البيانوني

يحتفلون فيما يزعمون بعيد الحبّ .!

ويدّعون له ما يدّعون .. ويخدعون به من يخدعون ..

وأولى بهم أن يحتفلوا بصنم الكذب .. معبودهم المقدّس .. إنّه روح المادّيّة العفنة التي تتغلغل في كيانهم كلّه .. إنّه أكبر معبود لهم في ليلهم ونهارهم ، وسرّهم وعلانيتهم ، وحيثما اتّجهت ركائب ظلمهم وعدوانهم .. صنم الكذب .. صنم العهر المقدّس عند القوم .. ذلكم الصنم الذي طاشت عنده المبادئ والحقائق ، واستعلنت في دهاليز مكره الأباطيل .. وكيف يعرف الغرب الحبّ الشريف ، وهو لا يعرف معنى الشرف والغيرة والعرض .؟! وهو غارق في أوحال الطين والحسّ والجنس ..

 

عيد الحبّ .. كغيره من أعياد كثيرة ، ليست إلاّ مواسم تجاريّة ، لترويج البضائع ، وتحقيق المزيد من الأرباح والمكاسب ..

 

عيد الحبّ وأمثاله أيّام لتنفيس بقيّة من مشاعر إنسانيّة مكبوتة ، يشكّل كبتها قلقاً نفسيّاً ، وعذاباً داخليّاً ، لإنسان الغرب ، الذي لم تستطع حضارته المادّيّة أن تصنع له شيئاً من الأمن الداخليّ ، والسكينة النفسيّة ..

 

عيد الحبّ مهما اصطنعوا له من مناسبة مقدّسة ، فليس إلاّ تفنّناً في تقديس الشهوة الأثيمة ، والتغطية على فسادها العريض .. الذي ينخر كيانهم كلّه : من نطفة الأجنّة إلى طهر الطفولة المدنّسة ، إلى أوكار العبادة المزعومة ، المنافقة الأثيمة ..

 

عيد الحبّ لا يلام عليه الغارقون في مستنقعات الإثم والرذيلة ، المتخبّطون في ظلمات شتّى العبوديّات الأثيمة ، ولا نحزن عليهم ، لأنّ هذا ما ارتضوه لأنفسهم .. ولكنّنا نلوم أولئك اللاهثين خلف التفاهات .. الهاربين من النور إلى الظلمات ، ومن الهداية إلى الضلالات .. ونحزن عليهم لما ارتضوا لأنفسهم من تيه وضياع ..

 

فيا بؤس من استبدل جحيم الإثم والخيانة ، والذلّ والمهانة بنعيم الحبّ الروحيّ الشريف ، الذي يسمو على الدنيا وأغراضها ، ويتّصل بنور الحقّ الأبديّ الخالد ..

 

شتّان بين حبّنا وحبّهم .! حبّنا أصيل خالد ، موصول بحبل : « .. يُحبّهُم ويُحبّونَه .. » ، « .. والذينَ آمنُوا أشدُّ حُبّاً لله .. » ، « .. فَاتّبِعُوني يُحبِبكُمُ الله .. » ..

 

وَحُبُّهُم أوهام وسراب ، وخيانات وعذاب ، وبؤس وانتحار .. يكفي المحبّ عندنا شرفاً أنّه يحشر مع من أحبّ ، ويشفع له الحبّ ، ويرافق في الجنّة من أحبّ ..

 

حقيقة حبّنا التي نعتزّ بِها : « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ الله وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لله ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ » رواه البخاري (1/ 10) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عَنه .

 

وبشارة حبّنا التي نعتزّ بِها : « إِذَا أَحَبَّ الله العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ : إِنَّ الله يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ الله يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ » .

رواه البخاري (4/ 135) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عَنه