بيوتنا.. والأمية العاطفية
15 جمادى الثانية 1440
معتز شاهين

تتكون شخصية الفرد من مجموعة من المكونات والجوانب التي يجب أن تتكامل مع بعضها البعض لتخرج لنا منتجا نهائيا لفرد سوي يستطيع التعايش مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش فيها بكفة مكوناته وأفراده.

لذا فغاية كل أب وأم من تربيتهم لأبنائهم أن يُخرجا للمجتمع الأفراد الأسوياء أولئك، ولكن كثيرا من الآباء والأمهات يحصرون نجاحهم في تربية أبنائهم من خلال مدى نجاح أبنائهم دراسيا أو علميا، رغم أن الدراسات الحديثة أثبتت أن معامل الذكاء هذا يسهم فيها هو 20 % فقط من العوامل التي تحدد نجاح الفرد في الحياة.

وقد يجهل الوالدان أن الإنسان يتفاعل عبر – إن صح التعبير - نوعين من العقل لابد من تنميتهما بشكل متواز ومتوازن، وهما: العقل المنطقي الذي يسمح لنا بالتفكير العميق و التأمل، و العقل العاطفي المندفع الغير منطقي أحيانًا كثيرة

 وصحة الفرد النفسية والعقلية تعتمد على مدى اتساق كليهما وتوافقهما في العمل كل بجانب الأخر، وكذلك فإن طغيان أحد العقلين على الآخر وإحكام سيطرته عليه يجعل الفرد يعيش في صراع بينهما.

 

ولتحقيق التناغم بين ذلكما العقلين ينتج نوعا من الذكاء يجب على الوالدين تنميته ورعايته في نفوس أبنائهم وهو " الذكاء العاطفي " وقد قسم د. هوارد جارنر – جامعة هارفرد – أنواع الذكاء الإنساني لسبعة أنواع رئيسية وهي (1) البراعة اللغوية، (2) البراعة الرياضية المنطقية، (3) براعة إدراك الحيز و التي تتبدى في أعمال فنان أو معماري، (4) براعة الإحساس الحركي، (5) براعة الإحساس السماعي (6) ذكاء العلاقات المتداخلة بين الناس، (7) و براعة تناغم حياة الفرد مع مشاعره الحقيقية.

 

ويمكن لنا أن نطلق عن أخر نوعين مصطلحا واحدا وهو ( الذكاء العاطفي )، ويعرّف الذكاء العاطفي بأنه هو القدرة على التعامل مع المعلومات العاطفية، وذلك من خلال استقبال هذه العواطف واستيعابها، ثم فهمها وإدارتها.

 

والطفل الذي يمتلك ذلك النوع من الذكاء يكون لديه انسجام بين عواطفه والمبادئ والقيم التي اكتسبها مما يشعره بالرضا والاطمئنان النفسي؛ فيستطيع اتخاذ القرارات المهمة في حياته بعد ذلك بسهولة ويسر، وكذلك يكون لدى الطفل الذكي عاطفيًا قدرة لتحفيز نفسه ( دافعية ذاتية ) ويكون أكثر فعالية من خلال فريق، وتكون لديه فرص أكبر في تكوين الصداقات، ويصير من بعد ذلك زوجًا ومربيًا ناجحًا، ويحرز تقدما في مجاله الوظيفي وحياته العملية.

 
أميتنا العاطفية:

للأسف فالكثير من بيوتنا تعيش نوعًا من الأمية في ذلك النوع من الذكاء رغم أهميته، فتلك الأمية العاطفية تؤدي لكثير من المشكلات للفرد وللمجتمع ككل ومنها على سبيل المثال:

- حين يعيش الفرد في صراع بين انفعالاته وعقله؛ يؤدي ذلك لزيادة نسبة إصابته بأمراض نفسية قد تؤدي للانتحار مثلما هو منتشر في المجتمعات الغربية.

- كذلك يؤثر ذلك الصراع النفسي على مستقبل الفرد الأكاديمي ( الدراسي ).

- الإخفاق الوظيفي : فقد قام مكتب الإرشاد المهني بجامعة " هارفرد " بإجراء دراسة على آلاف الرجال والنساء الذين تم الاستغناء عنهم وظيفيًا، فوجدوا أن 10% فقط منهم قد فقدوا وظائفهم لفشلهم في أداء أعمالهم، بينما 90% ممن أجريت عليهم الدراسة قد فقدوا وظائفهم بسبب فشلهم في تطوير شخصياتهم كي تستطيع أن تتعامل بنجاح مع الآخرين.

- الإخفاق الأسري وضعف التربية نتيجة لتفكك أواصر الأسرة.
 

مجالات الذكاء العاطفي :

ولكي نستطيع أن نطلق صفة الذكاء العاطفي على الفرد يجب أن يجيد خمس مجالات أساسية وهي : 

1-    تعرف الفرد على حقيقة عواطفه: فالتعرف على حقيقة مشاعرنا وعواطفنا تجعلنا نستطيع فهمها ولا نقع تحت رحمتها ونندفع وراءها.

2-    إدارة تلك العواطف: فبعد التعرف الحقيقي على العواطف تأتي النقطة الأهم وهي إدارة تلك العواطف بما يخدم مصلحة الفرد، كقدرة الفرد على تهدئة نفسه في حالة غضبه، أو كبح جماح التوتر والقلق الذي يشعر به في المواقف الجديدة أو الخطرة، والفرد الذي يفتقر إلى تلك المقدرة يعيش في صراع مستمر بين عواطفه المختلفة، أما الفرد الذي يمتلكها فهو ذلك الفرد الذي يستطيع أن يقوم من كبواته بسرعة وبأقل الخسائر.

3-    توجيه العواطف: وهي مرحلة متقدمة بعد إدارته لعواطفه؛ وفيها يقوم الفرد ليس فقط بالتحكم في عواطفه وانفعالاته السلبية بل يوجهها نحو تحقيق هدف ينشده، كالذي يستفيد من إحباطاته المتكررة لكي تكون قوة دفع تحفزه للإبداع والتفوق.

4-    الشعور بمشاعر الآخرين ( التقمص الوجداني ): وهنا يخرج الفرد من نطاق مشاعره إلى الشعور بمشاعر المحيطين به والإحساس بها والتعاطف معها، ويظهر ذلك في مشاعر كالغيرة والإيثار.

5-    توجيه العلاقات الإنسانية: و هو في معظمه مهارة في تطويع عواطف الآخرين، وهو فن يجيده الزعماء والأفراد الذين يمتلكون الـ ( كاريزما ).

 
تنمية الذكاء العاطفي داخل الأسرة:

من هنا يتضح لكل والدين ضرورة الاهتمام بذلك النوع من الذكاء وتنميته، مع عدم التركيز على الذكاء العقلي فقط، وسنورد بعض الخطوات التي تعين الوالدين على غرس وتنمية الذكاء العاطفي في نفوس أطفالهم بشكل عملي بسيط وسهل:

 

-         أعلن مشاعرك: هذا هو الشعار الذي يجب أن يرفعه الوالدان في تعاملاتهم داخل الأسرة، فكثير منا نشأ في بيوت لا تشجع ولا تساعد على التعبير عن المشاعر والانفعالات، فتحول الأمر من إدارة للعواطف والانفعالات – كما قلنا من قبل – إلى كبت لتلك العواطف، لذا أعلن دائمًا أمام أولادك عن مشاعرك وسمها أمامهم، فحينما تغضب من تصرف لطفلك قف أمامه وابدي غضبك وقل له ( ابوك غضبان منك لأنك فعلت كذا وكذا .. )، مع مراعاة عدم إظهار الانفعالات السلبية كانفعال الخوف من بعض الحيوانات أمام الطفل حتى لا يتأثر سلبًا بذلك.

 

-         احترم مشاعر وانفعالات طفلك ولا تسفه منها، بل على العكس من ذلك على الوالدين أن يبديا اهتمامًا بما يشعر به الطفل، حتى يشعر الطفل بأن هناك من يشاركه انفعالاته.

 

-         تعرف على مشاعر طفلك وانفعالاته وسمها أمامه حتى يستطيع هو التعرف عليها بعد ذلك ومن ثم يستطيع إدارتها والتحكم فيها وتوجيهها للأفضل له ولمن حوله.

 

-         كن قدوة لأبنائك في تعاملك مع مشاعرك وانفعالاتك وإدارتها.

 

-         استمع إلى مشاعر ابنك أو ابنتك، وعبّر له عنها إذا عجز هو عن التعبير بما يجيش في نفسه من مشاعر، فقل له مثلاً ( تبدو حزيناً، هل تريد الحديث حول أمر ما؟ أو تبدو سعيداً بلعبتك الجديدة )، مع مراعاة ترك فرصة لابنك كي يعيش مشاعره فلا تتسرع في التدخل وإصلاح ما تعتقد أنَّه يزعجه.

 

-         سنترك المجال للمشاعر والانفعالات ولكن لن نسمح بسلوكيات غير مرغوب فيها تظهر بحجة التنفيس عن تلك المشاعر بل سنعاقب عليها .. وهنا لنا وقفة مع ( التنفيس عن المشاعر ) فقد أثبتت دراسة حديثة أن التنفيس عن المشاعر هو أسوأ الوسائل لتهدئتها، فمثلا انفجار نوبة الغضب الشديدة يرفع مستوى الإثارة في المخ الانفعالي، فيزداد الشعور بالغضب و ليس العكس. ولنا في الهدي النبوي قدوة ومثال يحتذى به فلنرى كيف تعامل الرسول – صلى الله عليه وسلم – مع الغضبان، فقد غير له الوضع أو الحالة التي هو عليها ولم يقل له اغضب أكثر لكي تنفس عن مشاعرك، وهذا هو المطلوب منك حاول جذب انتباه طفلك لمثير أخر من خلاله يغير حالته المزاجية من حالة سلبية إلى إيجابية.

 

-         الابتسامة والسيرتونين : يعتبر «السيروتونين» أحد الكيماويات التي يطلق عليها اسم «الموصلات أو الناقلات العصبية» التي تعمل على إثارة ردود الفعل العاطفية لدى الطفل، وذلك عن طريق توصيل أو نقل رسائل عاطفية من المخ إلى مختلف أجزاء الجسم. ولا يمكن إغفال تأثير مادة «السيروتونين» بالنسبة لحياة الطفل العاطفية، والتي لا يحتاج إنتاجها إلى أكثر من ابتسامة، لأنها تؤثر على عدد من أجهزة الجسم كدرجة حرارته وضغطه، فضلاً عن الهضم والنوم. وتساعد هذه المادة الأطفال في التغلب على الضغوط التي يتعرضون لها، إذ أن زيادة معدل «السيروتونين» يصاحبه دائماً نقص في العدوانية والكراهية.

 

-         ساعة اللعب على الأرض : فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن خلايا المخ والموصلات العصبية تكون في أعلى مراحل نموها أثناء اللعب، لذا على الوالدين تخصيص ولو ساعة يوميًا للعب مع أطفالهم؛ وكذلك التفاعل والتحاور مع الأطفال أثناء اللعب ينمي أواصر العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة.