السؤال
أنا فتاة أعيش مع عائلتي، لكنني دائمًا أختلف مع أختي، وعائلتي كلها تقف في صفها، ويشعروني أنني أنا المذنبة، لدرجة أنني أصبحت أشعر بأنه لا فائدة من الحياة، وأن الموت أفضل لي، فأفكر في الانتحار، أو اللجوء إلى المخدرات، حتى أنسى ما يحدث.
الجواب
السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكِ، وشكر اللهُ لكِ ثقتَكِ بإخوانِكِ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
قرأت رسالتك باهتمام شديد، وفهمت منها أنكِ تعيشين مع عائلتك، وأنكِ على خلاف مع أختك، وأنه في كل تختلفين معها، فإن عائلتك "كلها" تقف في صفها هي ضدك، ليس هذا فحسب بل إنهم يشعرونك بأنك أنتِ المذنبة، وأن تكرار مثل هذه المواقف، أصابك باليأس من الدنيا، وجعلك تصلين إلى أنه لا فائدة من الحياة، وأن الموت أفضل لكِ، بل ووصل بكِ الأمر إلى التفكير في الانتحار، أو اللجوء إلى المخدرات، في محاولة منكِ لنسيان ما يحدث.
وأود في البداية أن أوضح لكِ أن رسالتك – على أهميتها- ينقصها الكثير من المعلومات، والإجابة على عدد من التساؤلات، التي يفيدنا توافرها في البحث معك عن حلول واقعية، أقرب إلى الحقيقة، من هذه الأسئلة: هل لا يزال والدك على قيد الحياة؟، وإن كان لا يزال على قيد الحياة فهل هو يعيش معكم؟، وما موقفه من هذا الخلاف الذي ينشب بينك وبين أختك؟، هل أختك تلك هي الأخت الوحيدة أم أنها ضمن العديد من الأخوات؟، وهل هي أكبر منك أم أصغر؟، وهل لكما إخوة من البنين؟، وهل لا تزالين في مرحلة الدراسة أم أنك أنهيتِ دراستك؟، وأخيرًا ما هو– برأيك- السبب في هذا الخلاف بينكما؟.
وحتى تصلنا أجوبة هذه الأسئلة؛ إن أمكنك إرسالها، وإذا رغبتي، فإنني أسجل لكِ بعض الملاحظات الأساسية، لعلها تساعد في توضيح الصورة، وهي:
1) أن العلاقة بين الأخوات، لا بد وأن تتسم بالمحبة والمودة، وأن يسودها الاحترام والتوقير.
2) أوصيك بالتقرب إلى الله، وأن تتعرفي على خالقك، سبحانه وتعالى، وأن تحافظي على أداء الصلاة على أوقاتها، وتكثري من الذكر والاستغفار، وتلتزمي بقراءة ورد يومي من القرآن، وألا تهجريه، لأن قراءته تُهدئ النفس المضطربة، وتكبح جموح النفس الثائرة، وتساهم في عودة النفس الآبقة.
3) أخرجي نفسكِ من هذا الصراع، الذي حاصرتي نفسكِ به، ولا تشغلي بالك بالخلاف والصراع مع أختك.
4) قفي مع نفسك وقفة لله، حاولي فيها أن تحددي الأسباب الحقيقية لهذا الخلاف الدائر بينكما، وسبل التخلص منه، والقضاء عليه، من وجهة نظرك.
5) اصبري على أختك، ولا تتعصبي عليها، وتحملي كلامها ونقدها، وامنحي نفسك فرصة لمراجعة الذات، واعلمي أن أقصر الطرق لهذا اتهام النفس بالتقصير.
6) اجلسي مع أمك، أو أختك الكبيرة، أو عمتك، أو خالتك، ممن لهن خبرة في الحياة، وخبرن التجربة، واعرضي عليهن المشكلة، وحاولي أن تستأنسي بآرائهن، وتستفيدي من خبراتهن، لتكوني رأيًا حكيمًا.
7) مهما كانت أسباب الخلاف بينك وبين أختك، يجب أن تعلمي أنها في النهاية أختك، وأنها من أرحامك، بل من أوائل وأقرب الأرحام، ومن ثم فإنها أولى، قال تعالى: [وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى]، وفيها يأمرنا الله برعاية حقوق ذوي القربى، بعدَ توحيد الله وبرّ الوالدين.
8) وقد أوصى الرسول الكريم بصلة الأرحام، فعن أبي أيّوب الأنصاريّ (رضي الله عنه)، قال: جاء رجلٌ إلى النبيّ (صلى الله عليه وسلم)، فقال: أخبِرني بعملٍ يدخلني الجنّة، قال "تعبد الله ولا تشرِكُ به شيئًا، وتقيمُ الصلاة، وتؤتي الزكاةَ، وتصِلُ الرّحم" (متفق عليه). وقال النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) لأبي ذر: "أوصاني خليلِي بصِلة الرّحم وإن أدبَرَت" (رواه الطبراني)، فصِلةُ ذوي القربَى أمارةٌ على الإيمان، وقال (صلى الله عليه وسلم): "من كان يؤمِن بالله واليومِ الآخر فليصِل رحِمَه" (متفق عليه).
9) احذري من تسرب اليأس إلى نفسك، فإن اليأس أخو الكفر، قال تعالى: (... وَلاَ تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللهِ، إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف/ 87]، كما حذرنا سبحانه وتعالى من اليأس والقنوط فقال في محكم التنزيل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر/ 53].
10) امتنعي عن تمني الموت، أو التفكير في الانتحار، فقد روى أنس (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا يتمنينّ أحدكم الموت لضُر أصابه، فإن كان لابدّ فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي". (متفق عليه). وعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال: "مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً". (رواه البخاري).
11) أما عن المخدرات، والتي تعتقدين بالخطأ أنها قد تكون حلاً لمشكلتك (التي لا ندري ما هي بالضبط)، فإنها طريق الضياع الآكد والموت المحقق، والعذاب , وغضب الرب سبحانه , والبعض يلجأ إليها هروبًا من مشاكل الحياة، وهي ليست إلا مُسَكِن مؤقت، يغيب الإنسان عن الوعي، ويفقده التركيز والقدرة على مواجهة صعاب الحياة، فاحذري من اللجوء إليها.
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يجعل في كلامنا الأثر، وأن يرزقكِ الرأي السديد، والفهم الرشيد، وأن يهدأ روعكِ، وأن يصلح ما بينك وبين أختك، وأن يصرف عنكما كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.