23 شوال 1440

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله...
أولا: أود أن أتقدم بجزيل الشكر لكم على خدمتكم لأمتكم الإسلامية، وعلى حرصكم على إفادة الجميع بنصائح واستشارات تساعدنا على تربية أبنائنا وبناتنا وفق شريعتنا الإسلامية السمحة...
ثانيا: أنا أم لبنت عمرها 10 سنوات، وولدين أحدهما يبلغ من العمر 5 سنوات ونصف والثاني 3 سنوات ونصف، ومعاناتي مع ابنتي ـ أدعو من العلي القدير أن يكرمني في تربيتها على الوجه الذي يرضيه ـ فهي تتصف بالعناد وتتمسك برأيها عمدا ولا تتراجع عنه، كذلك تستفزُّني كثيرا وتستمتع بحرق أعصابي، مع أنني بطبعي صبورة وأتمالك أعصابي معها كثيرا حفاظا عليها وحتى لا تبتعد عنى، وأغمرها أنا ووالدها بحب كبير، ولا نفرق بينها وبين إخوتها، وصارت حاليا كلما عادت من مدرستها تسرد لي ما يحدث معها في يومها الدراسي، وأنا بدوري أنصت إليها وأتواصل معها في كل كبيرة أو صغيرة، ولكنها تتعبني في عدم حرصها على الصلاة، فصرت أعاقبها بالحرمان وأحذرها عدة مرات، ومع ذلك لا تهتم بكلامي ولا ترتدع، وصارت ترد علينا كلما طلبنا منها شيئا بصوت عالي وتصرخ، والحمد لله نعيش حياة هنيئة وأسرتنا تنعم بالحب والحنان والتسامح والطيبة... فهل ما تمر به ابنتي أمر طبيعي على اعتبار أنها في بداية سن المراهقة أم ماذا؟؟ وما الطريقة المناسبة للتفاهم معها وكيف نشرح لها أنها بدأت تكبر وتعيش مرحلة انتقالية في العمر؟؟ وكيف نقرِِّّب لها معنى البلوغ وما يجب عليها خلال هذه المرحلة؟؟ جزاكم الله خيرا

أجاب عنها:
د. صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة، بداية أشكرك على ثقتك بموقع المسلم وطرحك لاستشارتك، وأهنئك على وعيك ورغبتك في التعامل مع طفلتك على أسس تربوية ونفسية سليمة..

 

أما بالنسبة لمشكلتك فألخصها فيما يلي:
ـ معاناتك من عناد ابنتك واستفزازها المستمر المؤثِّر سلبًا على جهازك العصبي..
ـ عدم التزامها بالمحافظة على الصلاة..
ـ عصيانها لأوامرك وعصبيتها المفرطة..
ـ عدم قدرنك على التفاهم معها والتواصل لشكل أفضل في التعامل معها في جو هادئ..

 

وهذه المشكلة أختي الكريمة تتعرض لها أغلب الأمهات والآباء مع أبنائهم وبناتهم خلال المرحلة الانتقالية التي يمرون بها في سن المراهقة..
 

ولا شك أن العناد هي الصفة الثابتة في شخصية وسلوك ابنتك، وفي هذه الحالة أتساءل لماذا ابنتك عنيدة بخلاف إخوتها؟؟
أرى أنها هي الكبرى بين إخوتها وهذا يجعلها ذات شخصية قوية وعنيدة، أو ربما عنادها عبارة عن ردَّة فعل مضادَّة لتغيُّر معامَلَتِك لها بعد إنجاب إخوتها، أو هي تعاندك لتعبِّر بذلك عن رغبتها في استرجاع كل حقوقها التي كانت لها في السابق، أو لرفضها الأسلوب السُّلطوي في تعاملك أو تعامل والدها، لأن العناد لدى الأطفال هو في الغالب سلوك مكتسب من محيطهم، فهم يكتسبون طباعهم وصفاتهم وسلوكهم اليومي، والجزء الأكبر من تكوين شخصيتهم من خلال تعاملهم مع المحيطين بهم، ولعل ابنتك تمتلك شخصية تحب أن تثبت ذاتها باستقلال عن رموز السلطة وممارساتها، وتحاول من خلال اسْتفزازِك فرضَ رأيِها عمدا، وأن تبلِّغك رسالة محتواها أنها أنثى لها عالمها المختلف، ووجودها القوي، وكينونتها المميِّزة لها، التي تجعلها لا ترتدِع ولا تطيع كل أوامرك حتى ولو كانت لصالحها، وتمارس سلطتها هي الأخرى بالعناد، والاستفزاز، والتمرُّد، والعصيان، واستخدام قدراتها الصَّوتية بالصُّراخ، وبالثَّورة على أنواع الضَّغط والتحكُّم بشخصيتها، وعلى أساليب القمع والكبت لمشاعرها، وإجبارك على الإنصات لصوتها الداخلي، ولآرائها واحتياجاتها، ولحقوقها..

 

ولهذا أنصحك أختي الفاضلة بما يلي:
أولا: اتفقي مع زوجك على أسلوب مشترك في التعامل مع ابنتكما، وتجنَّبا الخطاب السُّلطوي الذي تغلب عليه لغة الأوامر باستمرار..

 

ثانيا: علِّميها معنى الطاعة كقيمة إنسانية، تعبٍّر بها عن الحب، وعن العطاء المشترك بين أفراد أسرتها وتوثِّيق صلتهم، وقدِّمي لها نماذج الطاعة من قصص الأنبياء والمرسلين، ومن قصص السلف الصالح والتابعين، وكيف يكون الجزاء والثواب من رب العالمين بقدر الإخلاص والتَّفاني في طاعته، ابتداء بأداء حقوقه بإفراده بالعبودية، وامتثال أوامره، وأداء فرائضه، وإرضائه والتقرب إليه، وانتهاء بطاعة كل من له حق الطاعة كالوالدين، بالشُّكر، والبر، وإظهار الحب والاحترام لحقوقهما وتلبية أوامرهما، والتواضع لهما، ومعاملتهما برفق ولين، وخفض الصوت عند مخاطبتهما، والإحسان إليهما، ومصاحبتهما في الدنيا معروفا، والدعاء لهما بالرحمة والغفران، كما ورد في القرآن الكريم في سورة الإسراء الآية 23، 24: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}، وقوله تعالى في سورة لقمان الآية 15: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}..
 

ثالثا: خاطبيها بأسلوب إرشادي وليس بأسلوب الخضوع لسلطة قاهرة وجبرِيَّة، ورَسِّخي لديها معنى الطاعة بشموليتها كقيمة مشتركة تنطبق على كل الناس سواسية، وأقنعيها بأن وجود الطاعة ضروري لاستمرار الحياة في جو من الاحترام والالتزام بآداب التواصل والحوار، والانضباط بأصول التعامل وقواعد السلوك المتبادل..
 

رابعا: احرصي على الحفاظ على كيانها المستقل من خلال احترام آرائها وطريقة تفكيرها، وتشجيعها على ممارسة هواياتها ومهاراتها، وتحفيزها على الإنجاز والمثابرة، واستشارتها في بعض القضايا والأخذ بمشورتها، وترغيبها في مشاركتك ومساعدتك في بعض الأعمال أو الواجبات المنزلية، كتحضير الطعام، وتنظيم البيت، وترتيب غرفتها وملابسها، ومساعدة إخوتها، حتى تشعر بقيمتها وأهمية وجودها داخل الأسرة كعضو فعال، وأن لها حق الرِّيادة والقيادة لبعض الأمور المناسبة لسنها، وهذا من شأنه أن يقلِّل من عنادها ويحوله لطاقة إيجابية يمكن توظيفها في بناء شخصيتها، وتأهيلها لتكون عنصرا فعَّالا داخل المجتمع..
 

خامسا: تفهَّمي المرحلة الانتقالية التي تمر منها ابنتك وتحمَّلي انفعالاتها، وحافظي على هدوئك وثباتك، وتجنَّبي التَّصادم معها بأسلوب الصَّرامة والحِدَّة، والرَّدع، والحرمان، والضرب في كل الحالات، واستخدمي معها أسلوب الحوار والمناقشة، وأسلوب التقدير والاحترام والحوار، والترغيب والتحفيز، وتجاهَلي مساوئها، ولا تركِّزي على أخطائها دقيقِها وكبيرها، ولا تجعليها تحت المجهر طول الوقت، وامْتَصِّي غضبها وصراخها، وتقرَّبي منها واهتمِّي بشؤونها، وامْنحيها المجال لتعبِّر عن رأيها وعما يدور في نفسها، حتى تلبِّي احتياجاتها النفسية والعقلية، واحْتَوِيها وامْنَحِيها طاقة مضاعفة من الحنان والحب والرعاية، وأَشْبِعيها عاطفيًّا، ووظِّفي انفعالاتها الزَّائدة بشكل إيجابي بتشجيعها على ممارسة نوع من أنواع الرياضات المحبََّّبة إليها، أو الأنشطة الفنِّية أو الإبداعِيَّة، فهذا سيساعدها في خفض مستوى تمرُّدها وعنادها، ويخلِّصها من تلك الطاقة السلبية والعدوانِيَّة التي بداخلها، كما سيساعدها على الاسترخاء والهدوء وعلى الاستقرار النفسي..
 

أما الطريقة المناسبة لتتفاهمي مع ابنتك وتقرِّبي إليها معنى البلوغ، فهذا يستلزم منك أختي الكريمة:
أن تلبِّي احتياجات ابنتك العقلية، والفطرية، والجسدية، والتربوية، وأن تمتلكي الوعي الكافي بالتغيُّرات النفسية والفسيولوجية التي ستتعرض لها خلال سن البلوغ، وتتعلَّمي المناهج التربوية والتعليمية الخاصة بكيفية التعامل معها، من خلال استشارة طبيبة نفسية مختصة بالأطفال في هذا السن، والاطلاع على الكتب التي تبحث في أساليب التعامل معهم في سن البلوغ والمراهقة..

 

كذلك عليك مراعاة بعض الأمور الأساسية في توجيهها التوجيه الصحيح ومنها ما يلي:
أولا: تعاملي معها خلال هذه المرحلة بحكمة وصبر، وعزِّزي ثقتها بك، واكْسِري حاجز الصَّمت بينكما، وتحدَّثي معها كأخت وكصديقة مقرََّّبة إليها عن سنِّ البلوغ وعن التغيُّرات الفسيولوجية التي ستتعرض لها بشكل مبَسَّط وجميل، وابْدَئي بتأهيلها لتقبُّل ذاتها كأنثى بكلِّ تلك التغيُّرات الطَّارئة عليها، واشْرَحي لها بأسلوب تفهمه مظاهر هذا التغيير، حتى تكون واعية بالمرحلة المقبلة عليها نفسيا وجسديا، وتستقبلها بشكل طبيعي ككلِّ الفتيات في سنِّها، فلا تشعر بالخجل من نفسها، ولا بالاختلاف عن الأخريات..

 

ثانيا: اغرسي لديها رقابة الله ومخافته في السر والعلن، وفسِّري لها أن لجسدها حرمة وحماية فيجب صيانته، والحرص على نظافته وطهارته، وعدم التعرُّض لانتهاكِه أو العبث بأعضائه، واْبدَئي في تدريبها على اكتساب قيم الجمال الحقيقية الكامنة في حفظ نفسها كجوهرة مصونة، وأنَّ الله خلقها في أبهى صورة وزيَّنها بالحجاب واللِّباس السَّاتر حِفْظًا وتشريفًا لهذا الجسد، وحَجْبًا لأسرار جمالِه من إظهار مفاِتِنه وكشفها أمام الأجانب، حتى تتقبَّل ارتداء الحجاب بنفس راضية وراغِبَة في التقرُّب إلى الله وطاعته، وبفهمٍ ووعيٍ بضرورته..
 

ثالثا: تقربي منها وعوِّديها على مصارحتك في كل شؤونها، وتقبَّلي منها كل أسئلتها ولو كانت مكرَّرة أو محرجة أو حسَّاسة، وحاولي أن تجيبي عليها بقدر احتياجها، وما يناسب سنَّها وقدرتها الإدراكِيَّة، وقدِّمي لها المعلومات الأساسِيَّة والضَّرورية لمرحلتها العُمْرِيَّة، لحمايتها مما قد تتعرَّض له في المستقبل، من التقليد الأعمى لغيرها بدون تفكير أو اتِّباعِ سلوكهم المنحرف، النَّاتِج عن اكتساب ثقافة خاطئة من قريناتها أو زميلاتها..، أو مما ستكتشفه بنفسها من خلال مشاهداتها، وحاولي في الوقت نفسه أن تربطي ما تقدِّمينه لها من معلومات صحيحة بالإرشاد الدِّيني والتَّوجيه التربوي لسلوكها، وضبطه بالرَّقابة الدينية وبمفهوم الحلال والحرام، وأحكام الدين الضرورية كالأحكام المتعلقة بالطهارة والوضوء والصلاة والصيام..
 

رابعا: اشرحي لها أن سن البلوغ هي مرحلة انتقالية تنبئ عن إدراكها لمرحلة النضج، وبلوغِها درجة التكليف والشعور بالمسؤولية، والمحاسبة على كلِّ تصرفاتها وسلوكها العام..
 

خامسا: اغْرِسي في قلبها ووجدانها حُبَّ الدِّين، وحب الطَّاعات، والإقبال على العبادات، وأداء فروض الصلاة في وقتها، بأسلوب التعليم والتوجيه المحبَّب لنفسها، وبأسلوب الحوار والنقاش والإقناع، وعن طريق الأسلوب القصصي، وحُبَّ الاقتداء بالصَّحابيات والنساء الصالحات، وكوني لها قدوة في أقوالك وتصرفاتك، حتى لا تبحث لها عن قدوة غير صالحة تقلِّدها وتُعْجَب بها فتفسد أخلاقها.
 

سادسا: امْلَئي وقت فراغها بإنجاز أعمال منتجة ومثمرة، كتشجيعها على حفظ القرآن وتعلُّم أحكامه، وإتقان قراءته وتجويده، ومكافأتها إذا حفظت جزءا منه أو ختمت قراءته، أو أتقنت تجويده أو ترتيله..
 

وختاما: أكثري من الدعاء لها ولأبنائك بالهداية والاستقامة والصلاح، واطلبي منه أن يوفِّقَك لتربيتهم على أحسن وجه، واعْلَمي بأنَّك الأصل وأبناؤك هم الفرع، فكوني الأصل الطيب لهذا الفرع والمَنْبَت الصالح لهم، والتزمي طاعة لله فهو خير معين لك على تدبير وإدارة شؤون بيتك وأسرتك..
 

أسأل الله العلي القدير أن يبارك لك في بيتك وأبنائك، وأن يجعلك خير قدوة لهم، وأن ينفعهم بك، ويرزقهم الهداية والاستقامة على الحق..