ايام الخير التي نعيشها , فضل ومنة من الله سبحانه , والفضل لم ينته بانتهاء يوم عرفة .. فيوم العيد وايام التشريق ( أيام العيد ) فيها فضل كبير وهي أيام خير وأجر كبير ..
وقد شرعها الله سبحانه إسعادا للمؤمنين , وبركة لهم , وإدخالا للسرور عليهم , كما شرعها تعظيما لشعائره , وبيانا للمستجيبين الطائعين من المتكاسلين الغافلين .
فالمؤمنون يرتبون حياتهم وينظمونها ويقيمونها على أمر الله سبحانه وشعائره وعبادته , فالصلاة قوام حياتهم والشعائر محور أعمالهم .
وأيام التشريق تظهر فيها الشعائر المباركة , وتبدو فيها استجابات المؤمنين لها ..
فالحجيج يؤدون المشاعر والعبودية حيث أمرهم وحيث هوت قلوبهم عند البيت الحرام , والناس في ديارهم يمتثلون أمر ربهم كذلك كما بين لهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم :
قال سبحانه :" واذكروا الله في أيام معدودات " ..فهي أيام التشريق
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا - أَهْلَ الإِسْلاَمِ - وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ))؛ رواه أبو داود والترمذي
وقال صلى الله ليه وسلم : " إن أعظمَ الأيام عند الله يومُ النحر ثم يومُ القر " أخرجه احمد وابو داود ويوم القر هو ثاني أيام العيد.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله) أخرجه مسلم
قال الحافظ ابن رجب : ( وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) إشارة إلى أن الأكل في أيام الأعياد والشرب إنما يستعان به على ذكر الله تعالى وطاعته, وذلك من تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعات
فأيام التشريق أيام أكل وشرب وإظهار للفرح والسرور والتوسعة على الأهل والأولاد بما يحصل لهم من ترويح البدن وبسط النفس مما ليس بمحظور ولا شاغل عن طاعة الله تعالى كذلك فهذه الأيام أيام ذكر لله تعالى .
قال الله تعالى: [فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
وذكر الله عز وجل المأمور به في أيام التشريق أنواع :فذكره عز وجل عقب الصلوات المكتوبات بالتكبير في أدبارها وهو مشروع إلى آخر أيام التشريق , وذكره عز وجل على الأكل والشرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الله لَيَرْضَىَ عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا. رواه مسلم والترمذي , وذكره تعالى المطلق فإنه يستحب الإكثار منه في أيام التشريق .
وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الْأَيَّامَ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الْأَيَّامَ جَمِيعًا، وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ.
فأيام التشريق يجتمع فيها للمؤمنين نعيم أبدانهم بالأكل والشرب ونعيم قلوبهم بالذكر والشكر وبذلك تتم النعمة وذلك من تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعات .
والشعيرة العظيمة التي هي الذبح لله سبحانه , لها من الآثار الكثير والكثير , سواء على المجتمع المسلم أو النفس المؤمنة من بركة الاستجابة للطاعة والمسارعة إلى تنفيذ الأمر الرباني مع الجهد والتعب فيه ..
قال سبحانه : (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (الحج:37) قال ابن كثير: إنما شرع لكم نحر هذه الهدايا والضحايا لتذكروه عند ذبحها, فإنه الخالق الرازق, لا يناله شيء من لحومها ولا دمائها, فإنه تعالى هو الغني عما سواه .