يبقى المأزق الأكبر أمام فكر التبعية، أنه يجحد الشمس الساطعة ثم يناقشنا في أحوال الظلام المفترى!! كذلك يختلق "كائنات" خرافية ثم يسعى إلى إقناع الناس بمزاياها الفريدة..
كانت المهمة سهلة في عصر الاحتلال الغربي المباشر، في مجتمعات تفشت فيها الأمية، وحوصر علماؤها حصاراً شاملاً وحيل بينهم وبين الأجيال الناشئة بكل الأسوار الممكنة، ليتسنى للتعليم المسخ تخريج أفواج لا ترى إلا ما يرى فرعون الأجنبي.
ثم تولى العسكر الطغاة متابعة المهمة التخريبية بوسائل أشد قسوة وغلظة من سادتهم المنسحبين لتخفيف كلفة التغريب القسري.
مع ذلك، كان نجاح هؤلاء ضئيلاً فاستفزهم الأمر وفكروا بمضاعفة جرعات العنف ضد مجتمعاتهم.. من أتاتورك إلى انقلاب 1952 في مصر و1963 في سوريا و1968 في العراق و.......
ازدواجية مريبة
"من الدين إلى الطائفة" عنوان كتاب، حشد جامعه فيه كل غثاء الاستشراق قديمه وحديثه، وقدمه بملابس تنكرية على أنه إنتاج "محلي" بامتياز.
والكتب من هذا الصنف كثيرة العدد لكن حصادها بائس، ولذلك يحاول القوم المهيمنون على منابر إعلامية تسلطوا عليها بحماية أجهزة البطش، تسويق ما تحتويه تلك الكتب من تزييف لقطعيات التاريخ..
ويفضح هؤلاء أنفسهم بأيديهم عندما يحصرون حملاتهم الضارية في الافتراء على البلدان الإسلامية المحافظة ونصف المحافظة وعُشْر المحافظة؛ بينما يتبنون تسويق نظام الملالي الكهنوتي في إيران، على يد مثقفين يزعمون أنهم لبراليون أو يساريون أو قوميون.. وقد أثار هذا التناقض بعض الأصوات اليقظة في الغرب فصرخوا في وجوه نخبتهم: ما سر ولع اليسار بإمبراطورية القمع الديني والطائفي في طهران؟
احترِموا ذكاء البشر
لا يستحق الكتاب مراجعة علمية لبيان أخطائه الفظيعة وخطاياه الأشد فظاعة، وخاصة أنه يقيس أوضاع المسلمين على أوضاع الكنيسة النصرانية في العصور الوسطى التي يصفها الأوربيون بأنها عصور مُظلمة بل شديدة السواد. وقد بُني الكتاب كله على هذه المغالطة المستحيلة عقلاً!!
يكفي في هذه العجالة، أن أقتبس نصاً واحداً من أفكار الكاتب –هي أفكار غربية مكرورة مئات المرات لكننا مضطرون إلى أن ننسبها هنا إليه لأنه يطرحها وكأنها كشف حضاري وفتح علمي-.. وهدفي من إيراد النص أن يصبح القارئ العزيز على بيِّنة من مستوى التزوير الذي يضج به الكاتب، ويتبناه المروجون على أنه حقيقة قاطعة لا تقبل المناقشة! وفي هذا ازدراء بعقول الناس وانعدام للحد الأدنى من احترام ذكاء المتلقي!
يقول النص: "....أما في الإسلام، فإن نجاح الرسول في نشر دعوته، وتوحيد القبائل وتجاوز صراعاتها العصبية، استمر بشكل واضح في حياته، وانهار بعد وفاته، حيث عادت الخلافات التي اتخذت طابعا دينيا في البداية لتتطور إلى خلافات سياسية بين المسلمين. وقد شكل الصراع على الخلافة؛ والصراع على جمع المصاحف وتكريس مصحف واحد؛ والصراع على الحديث النبوي بين الطوائف ورفض كل طائفة لأحاديث الأخرى، والصراع على الموقف من الصحابة... أهم مظاهر الصراع التي حكمت تاريخ الإسلام منذ وفاة الرسول إلى العصر الحديث.. والتي ستتخذ طابعا سياسيا واقتصاديا. وتشددت أكثر في ظل الصراع على السلطة السياسية والاستيلاء عليها والسعي إلى فرض مشروعية مستمرة مستمدة من المصادر الدينية كالاعتماد على النسب الشريف، والدفاع عن مذهب ديني، وتبني ألقاب دينية".
فماذا تقول لمن يزيِّف الوقائع التي نُقلت إلينا بالتواتر، ويندر أن تعثر على مستشرق متعصب لديه شيء من احترام الذات، ينكرها؟
هل اختلف الصحابة دينياً؟
هذه فرية شيعية نبتت من خيال الحاقدين على الإسلام في القرن الرابع الهجري!!
وأسطورة "فشل" الصحابة هذه مجرد ديكور مخفف لفرية الخميني الذي اتهم النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بالفشل -كبرت كلمة تخرج من فِيه!.
وهل تصارع الصحابة على جمع القرآن من الصحف؟
مع أن الثابت للكافة أن استشهاد كثير من الصحابة من حفاظ القرآن الكريم في محاربة المرتدين ومانعي الزكاة، جعل عمر - رضي الله عنه - يشير على أبي بكر الصديق رضي الله عنه بجمع القرآن، الذي أَمَرَ زيدَ بن ثابت بجمع القرآن، فأخذ زيد يتتبع القرآن من العسب واللخاف وصدور الرجال فجمع القرآن كله في مصحف، مرتبًا الآيات على ما وقفهم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم. وبقيت هذه الصحف عند أبي بكر الصديق حتى توفي ثم عند عمر حتى مات ثم عند حفصة بنت عمر.
وقد قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أعظم الناس أجرًا في المصاحف: أبو بكر، فإنه أول من جمع القرآن بين اللوحين!!
أفيهون العقل على أدعيائه إلى هذه الدرجة من التلفيق المكشوف؟
وكيف يستسيغ من يدعي العقل أن يتهم أمة الإسلام بالفشل بعد انتقال نبيها إلى الرفيق الأعلى، وهم الذين حطموا إمبراطورية كسرى ودحروا الروم في مدة قياسية لا مثيل لها- كما يقر المستشرق توماس أرنولد!!-؟ وهم الذين أسسوا حضارة لا نظير لها من قبل ومن بعد، باعتراف المنصفين من المؤرخين والمفكرين الغربيين؟