أمريكا المأزومة من الداخل
10 جمادى الأول 1439
د. زياد الشامي

لا تفارقها الأزمات ولا تغادرها المشاكل و تجتمع في ولاياتها شتى أنواع العلل الاجتماعية والأمراض النفسية حتى باتت أشبه بالرجل التسعيني الذي لا يدري من كثرة الأمراض الخبيثة والعلل المزمنة المبتلى بها أيها سيقضي عليه قبل الآخر .

 

 

إنها الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تكاد وسائل الإعلام تنتهي من نشر تقرير عن آثار تفشي مرض اجتماعي عضال في ولاياتها حتى تشرع بتسليط الضوء على دراسة أخرى تتناول مرضا آخر أشد فتكا بالإنسان وأكثر تأثيرا بالمجتمع من الذي سبقه .

 

 

وعلى الرغم من ممارستها دور شرطي العالم وتبجحها بقوتها و قدرتها على فعل ما تريد ومحاولتها الترويج بأنها أرض الأحلام و أن قاطنيها هم أسعد الناس على وجه البسيطة.......إلا أن الحقيقة تؤكد غير ذلك وتثبت عكس ما يتم الترويج له . 

 

 

أحد تلك الأمراض المستعصية التي سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الضوء عليه مؤخرا تكفي للدلالة على ما سبق , فمشكلة تعاطي المخدرات في الولايات المتحدة اعتبرها أغلب البالغين في إحدى الولايات المشكلة الأكبر التي تفوق مشكلة الوظائف والاقتصاد .

 

 

الصحيفة أشارت إلى أن ولاية "نيو هامبشير" الأمريكية تقود الولايات المتحدة في الوفيات الناجمة عن الإفراط في تعاطي مخدر "فنتانيل" بالنظر إلى تعداد سكانها , مؤكدة أن 53% من البالغين اعتبروا خلال مشاركتهم في استطلاع للرأي بالولاية العام الماضي أن المخدرات هي المشكلة الأكبر التي تواجه ولايتهم ، و لأول مرة في تاريخ الاستطلاع يعتبر أغلبية المشاركين فيه أن قضية واحدة هي الأكثر أهمية بالنسبة لهم والتي فاقت بكثير مشكلة الوظائف والاقتصاد.

 

 

ولفتت الصحيفة إلى أن ولاية "غرب فيرجينيا" تقود الولايات المتحدة فيما يتعلق بالوفيات الناجمة عن الإفراط في تعاطي المخدرات بشكل عام، بالنظر إلى تعداد سكانها، وتأتي في المرتبة الثانية ولايتي “نيو هامبشير” و”أوهايو”.

 

 

وذكرت أن المفارقة تتمثل في أن “نيو هامبشير” من الولايات التي تعيش حياة الرفاهية ودخل سكانها مرتفع ومستويات البطالة والجريمة لديها منخفضة ...الأمر الذي يؤكد أن اللجوء إلى المخدرات ليس بالضرورة ناجما عن زيادة معدل الفقر أو الحالة الاقتصادية أو البطالة كما يحلو للبعض أن يحصرها بذلك , وإنما هناك أسبابا أخرى معنوية "روحية" قد تكون العامل الأبرز في تفاقم هذه الأزمة وتفشيها في المجتمع الأمريكي .

 

 

أزمة الإدمان على المخدرات التي تحصد أرواح 90 أمريكيا يوميا وتلقي بثقلها على الإقتصاد الأمريكي دفعت بساكن البيت الأبيض "ترامب" إلى إعلانها حالة طوارئ وطنية .

 

 

وفي تقرير صدر في العشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أعرب المجلس الاقتصادي التابع للبيت الأبيض عن أسفه من الأرقام المتوفرة التي تؤكد أن أكثر من خمسين ألفا قضوا بجرعات مفرطة من المخدرات في العام 2015 من بينهم 63 % (أي أكثر من 33 الفا)، بسبب المواد الأفيونية .

 

 

وأشار معدو التقرير إلى أن "وتيرة المشكلة آخذة بالتسارع مع تضاعف عدد المتوفين بسبب المواد الأفيونية في عشر سنوات وارتفاع العدد أربعة أضعاف مقارنة مع كان عليه قبل 16 عاما , كما يؤكد التقرير أن أزمة الأفيونيات كلّفت الاقتصاد الأميركي 504 مليارات دولار أي ما يعادل 2,8 % من إجمالي الناتج المحلي .

 

 

تكمن المفارقة العجيبة في محاولة البعض من بني جلدتنا والناطقين بلغتنا وربما المنتسبين لديننا الحنيف استيراد تلك الأزمات المستعصية والأمراض الخبيثة والعلل المزمنة من ولايات العم سام إلى ديار المسلمين تحت شعارات مخادعة ومصطلحات منمقة زينها لهم شياطين الإنس من أعداء الأمة الإسلامية .

 

 

ونظرا لعلم أعداء الأمة وأذنابهم في ديارنا بأن أول ما سيعوق تمرير تلك البلايا إلى بلاد المسلمين هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأحكام شريعة الإسلام الغراء التي تحرم على المسلم شرب الخمر وكل ما يذهب العقل قليلا كان أم كثيرا.......راحوا يسددون سهامهم المسمومة صوب ذانك المصدرين ويحاولون بشتى الوسائل والسبل التشويش عليهما والطعن بهما والتشكيك بحقائقهما وأوامرهما ونواهيهما ....... إلا أن الوقائع والحقائق لم تزد هذين المصدرين مع مرور الأعوام والعقود إلا مصداقية وثبوتا ويقينا .

 

 

لقد حاولت الحكومة الأمريكية في العشرينيات من القرن الماضي القضاء على ظاهرة تفشي المسكرات فسنت قانونا عام 1919 يحرم الكحوليات , ولكنها اضطرت بعد 14 عاما إلى إلغائه بعد أن استنفذت جميع إمكانيات الدولة الإعلامية والمادية لإنجاح القانون وأنفقت ما يزيد على 60 مليون دولار حينها للترويج له وطبعت ووزعت من الكتب والنشرات ما يربو على 10 بلايين صفحة ......الخ .

 

 

في المقابل فإن آية في كتاب الله تعالى تناولت تحريم الخمر - بعد تدرج مشهور - كانت كفيلة بوضع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاية لتلك العادة الجاهلية التي كانت متأصلة في حياتهم قبل الإسلام , وكافية لالتزام المسلمين منذ يوم التحريم وحتى قيام الساعة بعدم الاقتراب من الخمر أو أي مسكر حرمه الله و رسوله صلى الله عليه وسلم , قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } المائدة/90