سوتشي.. و"الشرعيات" الثلاث المهترئة
13 جمادى الأول 1439
منذر الأسعد

لو أتيح لي تلخيص مسرحية بوتن التي يجري اليوم تمثيلها في سوتشي، لقلت: بعد تصفح أسماء المدعوِّين لم أجد بينها اسم جميل حسن- مدير المخابرات الجوية في نظام بشار- وسهيل الحسن وغيرهما من رموز الإبادة الجماعية للمدنيين العزل.. وأتوقع أن يكون الجواب الصادق: لم يذهبوا إلى سوتشي لسببين، أولهما: أن المجازر التي ينفذانها مستمرة فلا يمكنهم الذهاب، والآخر: أنهم هم الذين اختاروا حشود الذاهبين من دمشق وهم 1300 من أصل 1600 مدعوّ!!
 

أشد دموية من داعش
من الغرائب المتعمدة، أن تجتمع في مسرحية سوتشي عدة رمزيات تنطق جميعاً بشرعة الغاب.. فراعي المؤتمر روسيا التي صدر قبل أيام توثيق لـ"ثمار" تدخلها في سوريا عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقرير جاء تحت عنوان صادم هو: "الساحة الحمراء في روسيا تصبغ بالدم السوري" وخلاصته: أن القوات الروسية قتلت 5 آلاف و783 مدنيا سورياً، منذ 30 سبتمبر 2015 حتى 31 ديسمبر 2017.

 

والتقرير يوثق أبرز الانتهاكات التي نفَّذتها القوات الروسية، في حق المدنيين في سوريا، منذ بدء عملياتها وحتى نهاية العام المنصرم.
 

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل ما لا يقل عن 5 آلاف و783 مدنيا، بينهم ألف و596 طفلاً، و992 سيدة، و53 كادرا طبيا، جراء الانتهاكات التي نفَّذتها القوات الروسية، في الفترة المذكورة، والتي تمتد لـ 27 شهرا.
 

وأشارت إلى "ارتكاب القوات الروسية ما لا يقل عن 294 مجزرة، واعتدائها على 817 مركزا حيويا مدنيا".
 

ولفت التقرير إلى تنفيذ روسيا "قرابة 217 هجمة بذخائر عنقودية، وقرابة 113 هجمة بأسلحة حارقة".
 

وهي أرقام تجاوزت جرائم داعش في الفترة نفسها.
 

رمزيات فتاكة
هنالك رمزية أخرى للمكان الذي اختارته موسكو لاستضافة المؤتمر، لا يدري عنها كثير من الناس اليوم. فسوتشي هي عاصمة الشركس التي احتلها القياصرة الروس سنة 1864 وشردوا 90% من شعبها، فلجأ إلى أراضي الدولة العثمانية.. واستمر القهر الروسي لسوتشي في عهد الشيوعيين الذين اتخذوا سوتشي منتجعاً لكبار زعماء الحزب الحديدي.

 

ومن الرمزيات الدالَّة أن الرسم الذي جعله بوتن شعاراً للمؤتمر، يتكون من يدين تحمل كل منهما راية النظام، وهذه أدق خلاصة لحقيقة المؤتمر الذي رفضت المعارضة حضوره، بالرغم من كل الضغوط الهائلة التي مورست عليها.
 

كما أن حضور 1300 من "حضن الوطن" – تسمية النظام لمن يخنعون له-يكشف المخبوء، فهؤلاء أتوا ليبصموا على وثيقة روسية على مدى 24 ساعة.. وهو وقت لا يكاد يكفي لقراءة الأسماء..
 

مع ذلك حرص الروس على التصريح بأن كل واحد من الحاضرين يمثل نفسه بشكل فردي!!
 

ولكي نعرف مراد الاحتلال الروسي بكلمة: الشعب السوري – بعد أن كان شعوباً عند الكرملين واضطر إلى الاعتراف بأنه شعب لا شعوب-.. لا تحتاج إلى عبقرية للإجابة: الشعب السوري هو من لا تقصفه روسيا في أثناء المؤتمر.
 

واكتملت دموية المؤتمر ببث تهديد مصور أصدره مندوب الاحتلال الروسي في قاعدة حميميم لمن يرفض حضور سوتشي من المعارضة بجزاء شديد سيرونه على الأرض..
 

وبلغت استهانة روسيا بالسوريين، أنها رفضت اشتراط بعض الرماديين وقف غاراتها على إدلب والغوطة في أثناء المؤتمر، لكي يحضروا، فرفض الغزاة هذا المطلب الهزيل.
 

مسودة شديدة السواد
قرأتُ مسودة البيان الختامي التي أعدها الكرملين، فلم أجد فيها كلمة عن المعتقلين وعددهم يربو على نصف مليون إنسان..ولا كلمة عن فصل السلطات..ولا كلمة عن انتخابات تحت إشراف دولي!!

 

ثم تذكرت أن الروس لم ينفذوا أي اتفاق أبرموه مع الثوار في أستانة التي شهدت ثماني جولات مسرحية من قبل.
 

الخلاصة الواقعية لمؤتمر/ مؤامرة سوتشي: هناك شرعيتان زائفتان كل منهما تتشبث بالأخرى لأنهما مبنيان افتراضيان: بوتن يستمد شرعية احتلاله من شرعية بشار وبشار ليس له شرعية غير قوة الاحتلال التي اعترفت رسمياً بأنها أنقذته من الثوار..
 

وتكتمل المهزلة بيد الشرعية الأممية الأشد زيفاً فيحضر ديمستورا رغم احتقار سوتشي لقرارات الأمم المتحدة جملة وتفصيلاً..
ونقرأ في مسودة البيان التي جهزها الكرملين للبصم عليها:
بناء جيش وطني: وهو اعتراف بأن عصابات بشار ليست جيشاً وطنياً

 

وفيها: سوريا دولة ديموقراطية غير طائفية: وهذا اعتراف آخر بأن نظام بشار الذي تريد روسيا فرضه على السوريين هو نظام طائفي!
 

صحيح أن السوريين لا يحتاجون إلى إقرار موسكو بهذه الحقيقة لأنهم يعانون منها منذ خمسين سنة عجفاء؛ لكن الاعتراف سيد الأدلة كما يقال.