وهم "العمق الاستراتيجي" لإيران
19 جمادى الأول 1439
خالد مصطفى

لم يعد المخطط الإيراني للسيطرة على دول المنطقة ونجاحها في ذلك بالفعل في بعض الدول من الأمور التي تحتاج إلى حديث أو تحليل فلقد تجاوزت إيران "مرحلة التقية" في هذا الشأن إلى الصراحة الكاملة, وكشفت عن نواياها بوضوح متحدية المطالبات الشعبية التي انطلقت على أراضيها عبر الاحتجاجات, بشأن ضرورة الانسحاب من المواجهات الخارجية والكف عن دعم الميليشيات والتركيز على الأزمات الداخلية المتفاقمة..

 

لقد صرح مؤخرا مستشار بارز لمرشد إيران علي خامنئي بأن قيادة البلاد لا تعتزم تقليص نفوذها في الشرق الأوسط ،وأضاف علي أكبر ولاياتي: "إن نفوذ إيران في المنطقة حتمي، ولكي تستمر إيران في لعب دور رئيسي في المنطقة، فإن هذا النفوذ لابد وأن يستمر."..وتابع "وجودنا في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان يأتي بالتنسيق وبرغبة من حكومات هذه البلدان", على حد قوله...

 

وانتقد ولاياتي الهتافات التي ترددت خلال الاحتجاجات الأخيرة في إيران والتي طالبت بعدم التدخل في الخارج والتركيز على الداخل الإيراني....نظام إيران حسم خياراته في هذا الاتجاه ظنا منه بأن الاحتجاجات الداخلية يمكن القضاء عليها بواسطة القبضة الأمنية الحديدية وعن طريق الاعتقالات والإعدامات ولعل هدوء الأمور لبعض الوقت أوحى له بذلك فانطلقت هذه التصريحات إلا ان الجديد والذي لم يتوقعه حكام طهران هو عودة الاحتجاجات مرة أخرى في العديد من المدن وحدوث مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن وتصدر هتافات "الموت للدكتاتور" للموجة الثانية من الاحتجاجات كما كانت الموجة الأولى..

 

إن عودة الاحتجاجات لشوارع إيران من جديد رغم موجة القمع الهائلة وقتل بعض المحتجزين في مراكز الاعتقال تحت التعذيب, والتهديد بإعدام الباقين يبدو أنه لم يكسر إرادة المتظاهرين كما كان النظام الإيراني يعتقد ويراهن وهو ما سيضطره لمراجعة الكثير من حساباته إذا أراد أن يمتص الغضب المتزايد...

 

نظام طهران ظهرا متعاليا بعد هدوء الاحتجاجات نسبيا وأرجع ما حدث لأسباب خارجية ولمؤامرات نسبها لمن أسماهم بـ "الأعداء" متجاهلا الأسباب الحقيقية التي أدت لاندلاع المظاهرات من فقر وبطالة وانهيار اقتصادي وهي أمور اعترفت بها أطراف مسؤولة داخل الدولة وموالية للنظام وطالبت بمواجهتها ولكن النظام أصر على رأيه واستمر في غيه..

 

النظام الإيراني يظن أن التمدد الخارجي يصون حدوده الداخلية ويكسبه قوة تجعله قادرا على القضاء على أي أزمات تهدده وهو اعتقاد باطل تماما لأن القوى التي تدعمها إيران في الخارج أضعف من أن تحمي نفسها فضلا على أن تحمي دولة بحجم إيران وهو ما نبه إليه الرئيس الإيراني حسن روحاني، عندما حذر المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي "ضمنيا" من ملاقاة مصير الشاه بسبب "عدم سماع صوت الشعب"...

 

وقال: إنه "لا يمكن لأحد أن يمنع الناس من التعبير عن الآراء والانتقادات وحتى الاحتجاج". وأضاف الرئيس الإيراني أن سبب انهيار النظام الملكي في إيران هو "عدم سماع صوت نقد الشعب"....

 

حيلة أخرى فشلت في توجيه الاحتجاجات بإيران في طريق آخر غير طريقها الصحيح وهي محاولة إبعاد المرجعيات المتسلطة على الحكم عن دائرة المسؤولية وإلصاقها في الرئيسين روحاني ونجاد وحدهما حيث انتقد خامنئي في تصريحات سابقة كلا من الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، قائلاً إن "أولئك الذين بيدهم إدارة البلاد وشؤونها التنفيذية اليوم أو أمس، ليس لديهم الحق في تولي دور المعارضة والمنافسين، بل يجب أن يتحملوا المسؤولية" ولكن المحتجين فطنوا لذلك ووجهوا سهام الانتقادات لخامنئي نفسه قبل الآخرين لعلمهم بأنه المتحكم الحقيقي في جميع المؤسسات الفاعلة....

 

حتى هذه اللحظة لم يظهر على حكام طهران أي بادرة تدل على استيعاب الدرس فهذا  نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي يخرج قائلا, أنّ "الجيشين العراقي والسوري يشكلان عمقاً استراتيجياً للنظام في طهران"...وأوضح  أن "الشعب الإيراني لايحبّذ بالتأكيد أن تكون إيران معرضة لهجوم الأعداء، لذا فإن جميع دول المنطقة التي هي حالياً في صراع مع العدو، هي ميدان أمن استراتيجي لنا"...

 

وهذه التصريحات تتغافل أمورا جوهرية من أهمها أن إيران لا تسعى لحماية حدودها كما تزعم بل هي تسعى لتهديد حدود الآخرين وأمنهم عن طريق نشر التشيع في بلاد بعيدة وتجنيد عملاء لها فيها مثلما يحدث في عدد من الدول الأفريقية وهي تنفق في سبيل ذلك الكثير من الأموال, كما أنها تشن حربا طائفية في العديد من دول الجوار مما ينذر بإشعال المنطقة بأكملها بما فيها إيران التي يعيش فيها الملايين من أهل السنة في ظل اضطهاد متزايد.