الخطيب الذي قتل أخاه نفاقاً
11 جمادى الثانية 1439
أمير سعيد

يتداول السوريون صورة معاذ رحمة الذي استشهد على إثر قصف طيران بشار الأسد لبلدته كفربطنا في الغوطة الشرقية، والتي رفض مغادرتها رغم الخطر، ورغم استشهاد نجله قبل أكثر من عامين إثر قصف وحشي آخر.

 

رباط أهل الغوطة مشهود، لكنه يتجلى أكثر حين تتاح للأحرار فرصاً للفرار، وحين يمكن لبعضهم "الارتكان" إلى الظالمين فتأبى نفوسهم العالية استغلال هذه الثغرة لنيل الأمان والنجاة الجسدية. إنها الصورة الوضيئة لمعاذ رحمة الذي اعتبر قبل عامين أن شقيقه الذي يعمل خادماً للترويكا الحاكمة في دمشق، النصيرية والصفوية بشقيها الإيراني والعربي، قاتلاً لابنه، ثم صار اليوم قاتلاً لمعاذ نفسه رحمهما الله.

 

قتل مأمون رحمة لشقيقه معاذ وابن شقيقه لم يتم بشكل مباشر، وإنما عبر نفاقه المستمر للنظام ولـ"حزب الله" ولروسيا وللميليشيات الطائفية بجميع تشكيلاتها التي تحتل سوريا المسلمة؛ فمن أشرف مكان، منبر الجمعة، شرعن خادم الاستبداد الفاشي، خطيب الجامع الأموي بدمشق مأمون رحمة للنظام تقتيله للشعب السوري وتهجيره والاستيلاء على أرضه وممتلكاته.

 

بلعام سوريا الذي تلاحقه لعنات جميع الأحرار في سوريا جسّد حالة متردية من النفاق الذي يمكن أن يبلغها دنواً رجل باع قيمه وهويته بعرض من الدنيا قليل على درج المنبر الذي اعتلاه كوكبة من علماء الإسلام وشيوخه ودرسوا العلم وقادوا الأمة في محنها على مر التاريخ كعز الدين بن عبدالسلام والذهبي والسبكي وابن عساكر والبيقوني وابن المفلح وابن الصلاح وغيرهم من أئمة العلم وقاماته؛ فلوث منبراً ومقاماً شريفاً بنفاق غير مسبوق تنامى حتى جعل بوتين حامياً لقلعة الإسلام!

 
حالة مأمون لا تحتاج حقيقة إلى دراسة؛ فهو لا يمثل فتنة عظيمة في دمشق؛ فحالة منفضح للجميع إلا من انطمست بصيرته، كما أنه لا يمثل حالة غريبة فيمن سلك طريق الضلال بعد علم؛ فآل إلى حمئة النفاق ومستنقعات الغي. غير أن ما يحتاج إلى دراسة حقيقية هو الآلة التي لابد أن يمتلكها من يسمع خطاباً دينياً ليميز بها بين طيب وخبيث، فلا تخيل عليه حيل السحرة واللاعبون. هي فعالية المستمع والمتلقي الذي يتعين عليه أن يفطن إلى نوع الخطاب الذي يلقى إليه، فيتبع أحسنه ويتجنب أسوأه.

 

إن واحدة من مزايا هذا الدين هي أنها ترفض الإمعية والتقليد الأعمى ولو كان لمن يتمظهرون بالكلام المعسول والصورة الخادعة، وتجعل لزاماً على المتلقي أن يكون فعالاً متحرياً لمن يصلح أن يكون موقعاً عن رب العالمين من العلماء والشيوخ وغيرهم. وهذا التحري يمر عبر تلمس التقوى والإخلاص، وهما مما يُقرأ من الوجه ويستشف من المواقف والأحداث وتكشفه الوقائع.