هل ستصمد الغوطة؟
11 جمادى الثانية 1439
أمير سعيد

لا يبدو أن ثمة معارضة حقيقية في العالم لفكرة ممارسة التحالف الشيطاني الروسي الإيراني النظامي لسياسة الأرض المحروقة في الغوطة بغية تفريغها من سكانها وإلحاق الهزيمة بآلاف المقاتلين الذين يتحصنون بها ويدافعون عنها؛ فكل المؤشرات تقود إلى الاعتقاد بأن توافقاً قد تم على تنفيذ السياسة ذاتها التي ترغم المسلحين على الاستسلام أو الخروج الآمن، وهو تشديد القصف على بلدات الغوطة الشرقية وإرغام المدنيين على الهجرة وترك منازلهم للدمار وأرضهم للاحتلال.

 

والقرار الروسي الذي فرضه الرئيس بوتين بفتح ممرات آمنة لتهجير أهل الغوطة، كان قد سبقه مناشدة فرنسية بـ"إجلاء المدنيين"، ما يعني أن دولتي الاحتلال السابقة والحالية لسوريا متناغمتان في رؤيتهما لمستقبل المنطقة الاستراتيجية المطلة على العاصمة دمشق التي هي بدورها لا تبعد كثيراً عن الحدود مع فلسطين المحتلة التي تحظى بحماية أمريكية للكيان الصهيوني الغاصب لها.

 

لا ممانعة دولية لفكرة الإجلاء أو تهجير أهالي الغوطة، وبالتالي؛ فلا اعتراض من حيث المبدأ من أن تكون تلك المنطقة القريبة من دمشق امتداداً واضحاً للمشروع الإيراني لتوطين إيرانيين وعراقيين وأفغان من الطائفة الشيعية في حزام دمشق، وهو المشروع الذي تمضي به إيران وروسيا بخطوات متسارعة، ومن غير المتوقع أن يفضي قرار مجلس الأمن بشأن الهدنة في كل أنحاء سوريا لمدة ثلاثين يوماً إلى صرف نظر المحتلين عن المضي قدماً في مشروع التوطين الذي يعد أحد دعائم مشروع طهران بيروت الاستراتيجي، فكل ما عناه القرار – فيما اتضح – هو تجميد عملية غصن الزيتون التركية الهادفة لمنع إنشاء دولة كردية ممتدة على الحدود السورية التركية، وهو ما ظهر من التفسير الفرنسي للقرار الذي تعامى عن جرائم الحرب في الغوطة الشرقية مبدياً اهتماماً كبيراً بوقف وصول طلائع القوات التركية إلى عفرين، ومن ثم حثت باريس أنقرة على "الالتزام بالهدنة وعدم خرقها" من دون الالتفات إلى اختراق الهدنة في الغوطة الشرقية، واستخدام غاز الكلور والنابالم في قصف بلداتها.

 

القراءة تلك لا تعكس سوى عتمة الرؤية في الغوطة، بيد أن جانباً آخر جدير بالاعتبار، وهو مدى قدرة الفصائل السورية على الصمود في وجه المشروع الروسي الإيراني هذا؛ فجردة حساب بسيطة ستقود إلى الاستنتاج بأن الغوطة ليست حمص أو حلب؛ فالتقديرات الشائعة عن حجم قوة الفصائل السورية، والتي في مقدمتها "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" وغيرهما، وتتمركز في العديد من بلدات الغوطة ونواحيها، وتتوفر على ما يكاد يصل إلى عشرين ألف مقاتل مسلحين تسليحاً جيداً لا يستثني الأسلحة الثقيلة، يجعل من استسلام هذه الفصائل مسألة ليست سهلة. يضاف إلى ذلك ما تتمتع به تلك الفصائل في هذه المنطقة بالذات من خبرات واسعة خلال فترة سيطرتها على المنطقة منذ أكثر من خمسة أعوام، لم تخل بالطبع من معارك طاحنة ومحاولات مستميتة من النظام للاستيلاء عليها، واختراق جبهاتها، كما لم تخل من مساعٍ كثيرة لتحصين قواعد تلك الفصائل العسكرية بدءًا من حفر الخنادق ورسم شبكة ممتدة من الأنفاق تسمح بتجنب عمليات القصف التي لم تنقطع أبداً عن الغوطة الشرقية طوال تلك السنوات.

 

ما يرشح من معلومات يشي بأن معنويات الفصائل مرتفعة، أو هكذا تحاول أن توحي عبر وسائل الإعلام والتواصل لأسباب ذاتية، ويؤكد على أن تلك الفصائل عازمة على خوض معركة ضارية، لاسيما وهي تضع ظهرها للحائط ولا تنوي على الاستسلام أو الرحيل ضمن صفقة، وفق ما تؤكد عبر وسائل الإعلام المختلفة. لكن إذا كانت الفصائل السورية ترى معركتها هكذا من زاويتها؛ فإن النظام من زاويته يراها أيضاً معركة مصير لا فكاك له من خوضها، هذا إذا أراد أن يظل مهيمناً على العاصمة التي يسيطر "جيش الإسلام" على أحد أحيائها (جوبر)، وتطالها مدافعه، وتقع مواقع شديدة الأهمية في مرمى نيرانه. هذا إذا استثنينا جدلاً الزوايا الأكثر أهمية التي تنظر من خلالهما موسكو وطهران وتل أبيب.  

 

من هنا وهناك يصعب التكهن بما قد تؤول إليه معركة الغوطة المتوقعة برياً، غير أن نقطة ضعف وحيدة وقاتلة للمدافعين عن الغوطة الشرقية قد تكون حاسمة للحلف الذي تقوده روسيا، وهي تلك المتعلقة بالمدى الذي يمكن أن يصل إليه قصف المدنيين، والحالة التي قد يجدوا عندها أنفسهم مضطرين إلى إخلائها وترك المسلحين للتسليم أو الانسحاب، إذ لا يبدو يقيناً أن لدى موسكو وطهران ونظام دمشق وازعاً يحول بينهم وارتكاب مجازر مروعة في الغوطة الشرقية، وهو ما يقود إلى الاعتقاد بأنهم سيخوضون الحرب إلى منتهاها والطريق إلى آخره، لكن مع هذا فقد تفاجئهم تكتيكات الفصائل بما لا يتوقعونه بما يرفع من فاتورة الحرب بالقرب من العاصمة، وقد تهرب الفصائل إلى الأمام وتنقل المعركة إلى داخل دمشق أو إلى مواقع استراتيجية أكبر في ضواحيها، مثلما فعلت من قبل في معركة إدارة المركبات، وعليه؛ فإن المعركة لا تبدو محسومة بشكل واضح للحلف الروسي الإيراني النظامي وإن بدا الأقرب في الميدان لتحقيق أهدافه بعد أن قلت المعارك التي يخوضها الحلف بعد تراجع الفصائل كثيراً في طول سوريا وعرضها.