السؤال الخادع: "هل فقدنا إنسانيتنا"؟
11 جمادى الثانية 1439
منذر الأسعد

على إيقاع المحرقة الأممية في سوريا لأهل الغوطة الشرقية، خصصت مجلة تايم الأمريكية  غلاف العدد الأخير منها،لهذه المأساة الفظيعة، فوضعت صورة شديدة الإيلام لأب يودع أطفاله الأربعة الذين قضوا نحبهم بنيران بوتن/خامنئي/بشار؛ وصورة أسفل منها لبشار محاطاً بعدد من كبار القادة العسكريين شركائه في ذبح السوريين العزل. 

 

وجاءت العناوين الثانوية معبِّرة في موازاة الصورتين: إبادة أسدية- حاصروهم اقتلوهم؛ بينما كان العنوان الرئيسي: هل فقدنا إنسانيتنا؟ 

 

شرف المهنة المسفوح
لا يملك إي إعلامي منصف إلا أن يعرب عن احترامه لعمل المجلة هذا .. وخاصة أن الصفحات التي خصصتها التايم لهذا الفصل من المأساة السورية  اتسمت بالجدية المهنية والمتابعة الملائمة للجرح والاهتمام بالبعد الإنساني/ الأخلاقي الذي جرى تغييبه عن ضحايا المحرقة الأسدية سنوات وسنوات بذريعة أن شر داعش وغيره أشد من شر بشار. 

 

هنا تبدأ الأسئلة الموجعة تطل برأسها لمحاسبة الموقف الغربي أخلاقياً على مستويات السياسة والإعلام والشعوب. 

 

والحساب لا يتوجه بالضرورة لهذه الدورية الأمريكية فربما كان أداؤها العام أفضل – أو: أقل سوءاً!!- من مجمل الإعلام الغربي الذي اتصف موقفه من الثورة السورية بالسلبية حتى عندما كانت سلمية 100% وحين كانت شعاراتها "مدنية" بل علمانية بالمعايير الغربية نفسها!

 

تلكم هي الصورة الغالبة وإن كنا نشهد بظهور أصوات نزيهة لكنها قليلة ومكبوتة ومتفرقة. وقد دفع بعض الإعلاميين الغربيين الصادقين مع مهنيتهم ثمناً باهظاً،وصل إلى حد قتلهم على يد عصابات النظام السوري وحلفائه من فِرَق الموت الطائفية المستوردة!

 

التبرير لتجار السياسة
حتى الأصوات الغربية التي شذت عن الجوقة المتواطئة ضمناً مع حرق السوريين تحت شعار محاربة الإرهاب بالتطبيل لنيرون العصر، انخدعت بما يبدو على السطح من تحمل روسيا الوزر وحدها، ما دامت تشارك فعلياً بقتل الشعب السوري بأسلحتها وحمايتها السياسية لنظام الإبادة الأسدي، ثم بطائراتها وجيوشها. 

 

والمفترض في هؤلاء المثقفين ألا يكونوا كالعوام الذين تنطلي عليهم القشور والأغلفة،وخاصة أن الأسئلة التشكيكية ركن أصيل في الصحافة الاستقصائية بل هي مما يفتخر به الغرب ويعدها من خصائص ثقافته المعاصرة!

 

لماذا –مثلاً- لم تتأثر حماية أمريكا لطواويس أوجلان –الإرهابيين الشيوعيين الستالينيين!!- بالفيتو الروسي؟ لقد فرضت واشنطن حماية مطلقة لهؤلاء ومناطق سيطرتهم من دون أن تنتظر رأي الأمم المتحدة الكسيحة. بل إن طيرانها فتك قبل عشرة أيام بعدد ضخم من المرتزقة الروس قرب دير الزور شرقي سوريا،وأصيب الكرملين بسكوت مفاجئ ثم تملص منهم بعد بضعة أيام، فقال: هؤلاء ليسوا من الجيش الروسي!!

 

أين شعوبكم؟
لسنا في محكمة تستطيع إصدار الأحكام بالجملة على الناس، لكن من حقنا إطلاق علامات الاستفهام لكي نستجلي الصورة كاملة ونصل إلى الحقائق رغم العوائق. 

 

أين المظاهرات الضخمة في عواصم الغرب احتجاجاً على أنهار الدم المتدفقة في سوريا منذ سبع سنوات؟ 
 المثقف الغربي الموضوعي سيقف هنا موقفاً لا يُحْسَدُ عليه.. فإما أن يتهم الشعوب الغربية كلها بانعدام الشعور الإنساني،وإما أن يعترف بأنه شارك مع سياسييه في تضليل تلك الشعوب.. فتلك الشعوب  رأت زعامات العالم تتسابق لإدانة الإرهاب في باريس إلى درجة الحرص على حضور طقوس سياسية تهويلية يومذاك؛ لكنها لم ترَ زعيماً غربياً واحداً يقدم للسوريين خطوة يتيمة مشابهة،مع أن أعداد ضحايا بشار بالملايين وأعداد ضحايا داعش بالمئات أو الألوف!!

 

فالسؤال الغربي : هل فقدنا إنسانيتنا ؟سؤال خادع حتى عند غير المتعمدين، لأن تلك الإنسانية لم تكن موجودة لكي يتحدثوا عن فقدها.