هدنة بوتين....القتل أو التهجير
13 جمادى الثانية 1439
د. زياد الشامي

لم يكن مفاجئا خروج قرار الهدنة المزعومة في الغوطة الشرقية من موسكو وليس من دمشق وعلى لسان زير الدفاع الروسي (سيرغي شويغو) بإيعاز من الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) حسب قوله وليس من مسؤول عسكري أو مدني في نظام طاغية الشام ...فالقرار السوري لم يعد سوريا منذ العدوان الصفوي والروسي على الشعب السوري وثورته المباركة .

 

 

قرار الهدنة الروسية المزعوم أعرب عن هدفه وغايته منذ البداية في البيان الذي أصدره وزير الدفاع الروسي "شويغو" الذي قال فيه : إنّ الهدنة تشمل وقفاً لإطلاق النار يمتد بين الساعة التاسعة صباحا والثانية ظهرا للمساعدة في إجلاء المدنيين من المنطقة بحسب روسيا اليوم , ما يعني أن أمام أهالي الغوطة الاختيار بين الموت تحت القصف الروسي الوحشي خلال 19 ساعة وبين الخروج من الغوطة والخضوع للتهجير القسري خلال ساعات الهدنة الــ5 المزعومة هذا إن صدقوا وأوقفوا القصف خلالها .

 

 

لم يكن هناك أي امتعاض أو اعتراض دولي على هدف الهدنة الروسية المزعومة المفضوح , ولا على انتهاج بوتين لسياسة الأرض المحروقة في الغوطة الشرقية لإجبار ثوارها على الاستسلام وإرغام أهلها على القبول بالتهجير القسري من أرضهم إلى مكان آخر ينتظرهم فيه نفس المصير بعد حين , بل تواترت تصريحات قادة دول العالم الغربي ودمى القائمين على المنظمة الأممية بالترحيب بقرار الهدنة المزعوم ودعم مراميه وأهدافه المعلنة ( القتل أو التهجير) .

 

 

وزير الخارجية الألماني "سيغمار غابرييل" قال في اتصال هاتفيّ مع نظيره الروسي : إن الهدنة "ليست أكثر من خطوة أولى للوصول للمحاصَرين وإمدادهم بما يحتاجونه وإنقاذ حياتهم".

 

 

من جهته أكد وزير الخارجية الفرنسي "جان إيف لودريان" أن باريس تؤيد المبادرة الروسية بشأن الهدنة في الغوطة الشرقية. وقال : إن "الهدنة لفترة 5 ساعات خطوة حقيقية إلى الأمام... ونحن نؤيدها" , وقد سبق ذلك التأييد دعوة صريحة من الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" لتهجير أهل الغوطة عبر المطالبة بــ "السماح بإجلاء المدنيين" منها مع بداية حملة الإبادة الروسية النصيرية .

 

 

المتحدث باسم الأمين العامّ للأمم المتحدة "إستيفان دوغريك" اعتبر أول أمس الاثنين أن الهدنة اليومية التي أعلنتها روسيا في الغوطة الشرقية بريف دمشق "أفضل من لا شيء" في تماه أممي فاضح مع المخطط الروسي المكشوف لتهجير أهل الغوطة أو قتلهم بداخلها .

 

 

حتى قرار مجلس الأمن الذي صوت أعضاؤه (السبت) بالإجماع على مشروع قرار كويتي سويدي لإعلان هدنة وقف لإطلاق النار في سورية لمدة 30 يوماً للسماح بدخول المساعدات والإجلاء الطبي....لم يخرج في فحواه عن الهدف المقصود المتمثل بــ"تهجير أهل الغوطة" في نهاية المطاف .  

 

 

مع كل ما سبق من مرام وأهداف الهدنة الروسية الخبيثة لم يلتزم بها النظام النصيري ولا سيده بوتين قيد أنملة , فقد تم خرق هدنة الساعات المزعومة قبل أن تبدأ واستمرت آلة القتل النصيرية الروسية باستهداف أطفال ونساء ورجال الغوطة دون توقف .

 

 

الدفاع المدني في الغوطة أكد استهداف النظام النظام النصيري أمس الثلاثاء الأحياء السكنية في مدينة دوما بـ عدة صواريخ في تمام الساعة 9.45 صباحاً بتوقيت دمشق، ما تسبب بسقوط جرحى كما شنت الطائرات الحربية غارات جوية على مدينتي جسرين وعربين ما أوقع قتيل وجرحى .

 

 

وأضاف الدفاع المدني أن قوات الطاغية استهدفت مدينة حرستا بـ 5 صواريخ شديدة الانفجار، ما أسفر عن سقوط جرحى في صفوف المدنيين، كما تعرضت بلدة مسرابا إلى قصف مماثل أثناء سريان الهدنة الروسية المزعومة .

 

 

من جهة أخرى أكد مراسلون في الغوطة أن الطيران الحربي شن أكثر من 42 غارة جوية على مدن وبلدات الغوطة الشرقية وقت سريان الهدنة أسفرت عن استشهاد 12 مدنيا .

 

 

فصائل الغوطة المسلحة فسرت مضمون الهدنة الروسية بأنها : 19 ساعة قتل لأهالي الغوطة وبقية ساعات اليوم الــ5 تهجير , بينما اتهم رئيس الهيئة العليا للمفاوضات نصر الحريري روسيا بالإجرام وارتكاب المجازر بحق الشعب السوري والعمل على فرض التغيير الديمغرافي بالغوطة الشرقية .

 

 

الحريري قال في تغريدات على "تويتر" : لم تعد هناك أية قيمة لقرار مجلس الأمن حول الهدنة بسوريا بعد قرار الهدنة الروسي وتأمين ما يسمى "ممر آمِن للمدنيين" هدفه إفراغ الغوطة من أهلها" مضيفا أن روسيا تسعى لإحداث التغيير الديمغرافي وهذا أمر لا يمكن القبول به أبدا .

 

 

لم يعد أمام ثوار الغوطة وأهلها إزاء هذا التواطؤ الدولي على قتلهم أو تهجيرهم من أرضهم باسم "الهدن المزعومة" والضعف والهوان وما هو أسوأ من العجز العربي والإسلامي.....إلا الصبر والمصابرة والمقاومة والالتجاء إلى الله تعالى بأن يعينهم على الخروج من هذه المحنة العظيمة .