رسالة "الغوطة الشرقية" للعالم
16 جمادى الثانية 1439
خالد مصطفى

وسط الركام والقصف والحصار وعجز المؤسسات الدولية عن وقف المجازر التي يتعرض لها مئات الآلاف من السكان السوريين في الغوطة الشرقية, أصر أهلها على إرسال رسالة قوية للعالم عبر رفضهم مغادرة أرضهم رغم ما يتعرضون له من ظلم وتنكيل على مرأى ومسمع من العالم أجمع..فقد تمسك سكان الغوطة الشرقية بريف دمشق بالبقاء في أرضهم حتى لو هُدمت كل منازلهم، وقال "محمد يعرف"، أحد سكان المنطقة، إنّ حيّه الذي تعرض للقصف يضمّ مدنيين فقط، ولا يوجد فيه أي مقر عسكري. مشيرًا إلى أن القصف أودى بحياة نصف سكان الحيّ...

 

واتهم محمد، العالم ومجلس الأمن الدولي بـ"الكذب وعدم المبالاة" بأوضاع المدنيين بالغوطة. لافتَا إلى أن السكان اضطروا للهروب للأنفاق هرباً من القصف، غير أنهم يواجهون شبح الجوع القاتل الذي يهددهم منذ بدء الحملة...واعتبر أنه "لو حدث مثل هذا الأمر في أوروبا أو إسرائيل، لقامت الدنيا ولم تقعد". مطالباً المجتمع الدولي بالتحرك لوقف ما تتعرض له الغوطة...وشدد محمد على أنه مهما طال القصف، فإن السكان "لن يغادروا الغوطة الشرقية، وهم مستعدّون للتضحية بجميع أبنائهم من أجل ذلك"...

 

من جانبها، قالت المربّية مها عكاشة، أن القطاع التعليمي بالمنطقة تعرض لخسائر كبيرة جراء القصف، كما قتل عدد كبير من الطلاب والمعلّمين، خلال الحملة، رغم وجودهم في الأقبية...وأضافت : "لدي طالبة في الصف الثالث قتلت في القصف، وأخرى في الصف الأول تم انتشالها من تحت الأنقاض وهي فاقدة للوعي حتى اللحظة، كما قتل عدد من المدرسين بالمدرسة التي أعمل بها"...

 

أما تميم الدحم، وهو أيضا من سكان الغوطة، فقال  إنّ "النظام دمّر كل شيء بالمنطقة، والوضع أضحى متأزمًا بشكل لا يوصف، وسط لامبالاة من قبل الدول العربية والعالم"...وتابع: "نحن مزارعون مدنيون بسطاء، نبحث عن رزقنا ولسنا إرهابين". واستغرب استخدام النظام لكل تلك القوة الجوية التي يمتلكها ضد الغوطة، بينما لا يجرؤ على توجيه طائرة واحدة نحو "إسرائيل"...ولفت تميم إلى أن حيّه تعرض لصاروخين دمرا عشرات المنازل فيه. مضيفًا: "لو استعان النظام بدول أخرى علاوة على روسيا، فلن نخرج من أرضنا مهما كلّفنا الأمر"...

 

من جهته، قال محمد عواد الذي خسر اثنين من أبنائه في الحملة الأخيرة، إنّ "النظام لم يترك شيئا لم يستهدفه، حتى أننا أصبحنا نقضي كامل وقتنا في إخراج الناس من تحت الركام"...وتابع: "لو سانده (النظام) كل العالم كما تسانده روسيا، فلن نخرج من بيوتنا حتى لو هدمها جميعا"...

 

كما أرسل المحاصرون من أهالي الغوطة رسالة مصورة لتأكيد صمودهم حيث أطلق ناشطون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، بوسم (هاشتاج) “أنا عايش” (أنا ما زلت أعيش)، لإيصال صوتهم إلى العالم...ومع الوسم، نشر الناشطون صورا لهم وللأطفال، يرفعون فيها أيديهم اليمنى للأعلى، في إشارة إلى أنهم ما يزالون أحياءً بعد القصف الذي تتعرض غوطة دمشق له...ولقيت الحملة تفاعلاً واسعاَ على مواقع التواصل الاجتماعي في داخل الغوطة وخارجها...

 

ويكتب الناشطون تحت صورهم التي نشروها: “إذا أردت أن تقف معنا صور نفسك كما أنا صورت نفسي، وانشر صورتك واكتب انا أقف معكم”..وطالب هؤلاء، من ينوي الانضمام إلى حملتهم، بدعوة العالم للوقوف مع الغوطة الشرقية وأطفالها...وأكد الأطفال في الغوطة، أن اشتراكهم في حملة “أنا عايش” تأتي على الرغم من كل الظروف القاسية التي يعيشونها...

 

وقال الطفل “يمان”: “الحمد لله أنا عايش”. ويرفع يده اليمنى تضامنا مع الحملة، ويتابع: “رغم القصف والدمار أنا عايش”...لعل هذه الرسالة القوية من المستضعفين في الغوطة الشرقية تحرج أقوياء العالم الذين اكتفوا بالمشاهدة بجانب بعض كلمات الرثاء التي لا تقدم ولا تؤخر..لقد أثبت أهالي الغوطة طوال 5 سنوات مدى صمودهم ضد أعتى قوى الشر وفضحوا المتشدقين بشعارات "حقوق الإنسان وحماية المدنيين" حول العالم كما فضحوا الضعف العربي والإسلامي.