دروس الغوطة بعد حلب
10 رجب 1439
طلعت رميح

قامت "حالة" المواجهة أو الصراع الحربي في حلب والغوطة من بعد (وفي كثير من المدن السورية في المرحلة الأخيرة)، على وضعية تتمركز خلالها قوة شعبية مقاومة غير نظامية داخل المدينة ووسط السكان، لتخوض حرب مدن في مواجهة قوة جيش نظامي مهاجم.

 

وكانت تلك الوضعية هي ذاتها التي جرت في عموم المدن السورية ما بعد عام 2011م (خلال عامي 2013 و2014 خاصة) حين حاولت قوات النظام استعادة السيطرة على مدن كانت فقدت السيطرة عليها، لكنها منيت بخسائر أشد جعلتها تتقهقر وتفقد مدنا ومحافظات ومناطق كاملة.

 

غير أن النتائج اختلفت الآن أو في المرحلة الأخيرة، فيما نجحت القوة غير النظامية (الثوار) في هزيمة الجيش النظامي أو قوات الأسد – بما وسع رقعة سيطرة المعارضة إلى درجة اقتراب النظام من الهزيمة -فالأمر اختلف في المعارك الأخيرة إذ تمكنت قوات النظام وحلفاؤها الروس والإيرانيون من السيطرة على المدن واحدة تلو الأخرى.

 

هذا التغيير يستدعى فهما لهذا التحول والتغيير، خاصة وأن هذا النمط من المعارك هو ذاته ما شهده العراق كثيرا سواء في مواجهة قوات الاحتلال الأمريكي أو خلال مواجهة قوات المالكي أو خلال المراحل الأخيرة.

 

وبمراجعة تاريخية بسيطة، يمكن القول بأن ما كان مستقرا من قبل في استراتيجيات الحروب غير النظامية، هو أن الجيوش النظامية كانت تخشى دوما أن تدخل مثل تلك المعارك وتعتبرها من أعقد أنواع المعارك، بحكم طبيعة تسليحها وتدريبها من جهة وبحكم العوائق الكبرى في داخل المدن التي تمكن المقاوم للاقتحام من الاحتماء بها ونصب الكمائن للقوات المهاجمة وهزيمتها في نهاية المطاف.

 

ما الذي تغير؟، في النظرة المباشرة في تحليل الأمر، يمكن القول بأن التطويرات التكنولوجية التي دخلت على أسلحة الجيوش النظامية، كان لها دورها في هذا التحول والتبدل، ويمكن القول بأن التدخل العدواني الروسي كان له أكبر الأثر، إذ التجربة السورية قد شهدت تمكن الثوار من هزيمة نظام بشار، ولم تغير التدخلات والدور الإيراني في الأمر من شيء، حتى يمكن القول بأن الثوار هزموا قوات بشار وميلشيات ايران وحافظوا على المدن والمحافظات التي كانت تحت سيطرتهم، بل وسعوا تلك السيطرة يوما بعد يوم قبل العدوان الروسي.

 

كان للتدخل العسكري الروسي دورا حاسما في قلب توازنات القوة لمصلحة القوة المهاجمة على حساب القوة المدافعة، حيث أدخلت روسيا طيرانها المتقدم بشتى أنواعه – بما في ذلك طائرات الجيل الرابع الروسية - في تلك المعارك، بما وفر للجيش المهاجم عوامل قوة تدميرية، وأضعف قدرة المقاومة على إسقاط الطائرات، إذ كانت قوات الثوار تمكنت من إسقاط كثير من طائرات النظام في مراحل المعارك السابقة.

 

ويمكن القول بأن استخدام ذخائر تحدث تدميرا هائلا في العمارات السكنية وتصل إلى المخابئ ومغارات الاختباء كالصواريخ المجنحة والقنابل الارتجاجية والفراغية قد أثر على قدرة القوات المدافعة وعلى المدنيين واستمرار بقائهم في المدن التي تشهد المعارك.

 

وأن استخدام القصف بالغازات الكيماوية كان له تأثير هائل على المدنيين، وحتى المقاتلين، إذ يرفع كلفة الخسائر إلى حد رهيب، وكذا بقية الأسلحة المحرمة دوليا كقنابل النابالم الحارق والقنابل العنقودية.

 

كل تلك العوامل كان لها تأثيرها في تغيير معادلات النصر والهزيمة، لكن الأشد خطورة هو الوضع الدولي والإقليمي والعربي الذي مكن روسيا وحلفاءها من استخدام تلك الأسلحة المحرمة دوليا ضد المدنيين وفي داخل المدن ذات الكثافة السكانية.

 

أخطر ما تغير هو انهيار فكرة وحالة القانون الدولي في حدها الأدنى الذي كان موجودا خلال مرحلة الحرب الباردة، وحالة الضعف التي بدا عليها الموقف الدولي والإقليمي والعربي في مواجهة تلك الجرائم.

 

وهذا هو الدرس الاستراتيجي الأهم في رؤية وتحديد معالم أي خطة استراتيجية يمكن للمقاومين اعتمادها في مواجهة كتلك أو من الأصل في اعتماد هذا الطريق من أوله، الدرس الأهم أن البيئة الاستراتيجية الدولية والإقليمية والعربية قد تغيرت، وأن معارك التغيير باتت تتطلب إدراك أية قوه تحاول التغيير وإعادة البناء والنهضة في الدول العربية والإسلامية، طبيعة وملامح هذا التغيير حين تحدد استراتيجياتها وخططها.

 

المصدر/ الهيئة نت