التحذير من الفاشينستات
13 رجب 1439
أمير سعيد

في خضم حالة تردي هائلة للمنطقة العربية، وتراجع مريع في أحوال شعوبها، بعد أن أنجبت الدول العربية شعباً متوسط التعداد من اللاجئين يربو عن 14 مليون عربي، وبعد سلسلة من الحروب المدمرة لحواضر العالم الإسلامي الكبرى في قلبه العربي، الموصل، حلب، حمص، غوطة دمشق... إلخ، وتداعٍ دولي على أمتنا غير مسبوق من حيث تفرده بالانهيار الذاتي والتفاني التلقائي الداخلي، يتصدر وسم #التحذير_من_الفاشسنيستات "ترند" بعض الدول العربية، كاشفاً عن ظاهرة بشعة في قبحها وانحطاطها.

 

تصدر وسم كهذا، لاشك أنه علامة خير كبيرة في قيام طائفة من هذه الأمة بواجبها الأسمى، وفرضها الأعلى، الذي تميزت به، وتسامت على الأمم بالتزامه، وهو واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي حازت به هذه الأمة خيريتها، مصداقاً لقول الله عز وجل: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لو شاء الله لقال: " أنتم "، فكنا كلنا، ولكن قال: " كنتم " في خاصة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن صنع مثل صنيعهم، كانوا خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، وقال رضي الله تعالى عنه: " يا أيها الناس، من سره أن يكون من تلك الأمة، فليؤد شرط الله منها".

 

لا ريب في ذلك، غير أن رد الفعل هذا كان على قدر انتشار الظاهرة المؤسفة هذه، أعني "الفاشينستات"، وهن المهتمات بعرض أدوات التجميل من مساحيق ونحوها والأزياء كذلك، من عارضات الأزياء والتجميل وغيرهن، واللائي اجترحن شعبيات هائلة في وسائل التواصل المختلفة، لاسيما تطبيق الإنستغرام الشهير، بلغت ببعضهن لمتابعة عدة ملايين من الراكضات خلف المودة وصرعاتها، اجترحن هذه الجماهيرية بما تجلب لهن من شرور الآثام وأوزار محاكاتهن في التبرج والابتذال خارج الإطار الشرعي.

 

وهنا الأمر لا يتعلق بمسألة التبرج وحدها، بل ثمة ما هو أهم منها بكثير، وهو التدني الفكري المحرك لهذا النشاط التافه، والاهتمام غير المبرر إلا لمن فرغت عقولهن من الاهتمام بعظائم الأمور وانحرفت بوصلتهن باتجاه سفاسف الأمور وتوافهها.

 

مثل هذه الظواهر، وهي كثيرة ولا تقتصر على مجرد الاهتمام بالمودة وصرعاتها الغريبة والمتجددة والمكلفة، بل تتعداها كثيراً لمدى كبير يعني سير جموع كبيرة من فتيات وشباب المسلمين في طريق يتعارض كثيراً مع ما يؤمل منهم في تلك المراحل الدقيقة التي تمر بها أمتنا.

 

ولا شك في أن جملة من الأسباب تدفع إلى الانجرار خلف ظواهر سلبية كـ"الفاشينستات"، ونحوها، بعضها لا يتعلق بخصوصية الظاهرة، فغيرها كثير من الظواهر والأعراض الناجمة عن مرض واحد، يتعلق بجهود كثيرة لتغييب عقول الشباب والشابات، وإبعادهم عن الغاية التي من أجلها خلقوا.

 

اليأس، الإحباط، دور الإعلام السلبي سواء بتشجيع مثل هذه الظواهر أو بفقدانه لما يحصن منها أو بنمطيته وملله وسطحيته التي تفقده رمزية الماضي وتأثيره فيهرب الشباب والشابات لرموز لم يستطع أن يقدمها أو يصنعها، التعليم البعيد عن زرع القيم وبناء الشخصية المتزنة العاقلة، انشغال أرباب البيوت ورعاة الأسر عن أبنائها وبناتها، اقتصار مفاهيم التربية عند المربين على وظائف جامدة محددة لا تتسم بالمرونة والتجدد والشمول، التغييب القهري للفضائل وقدواتها.. إلخ. غير أن الأهم يبقى في مدى استعداد الشابة والشاب لتشرب مثل هذه الظواهر، وشخصياتهم الرخوة الضعيفة المتقبلة لكل ألوان الشواغل التافهة والظواهر السلبية.

 

إن الإسلام قد رفض تماماً أن يصير المسلم والمسلمة إمعة، يسيرها الآخرون حيث شاءوا وكيفما أرادوا، وارتضى لأبنائه شخصية متميزة تستضيء بنور الله وتسير في طريقه باستقلال وفرادة، وقد روي عن  رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا"، وصح نسبة ذلك القول لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وهذا يحفز المسلم والمسلمة أن يكون صاحب رؤية وانتقاء وبصيرة في تقبل أو رفض الظواهر الجديدة، وفقدان ذلك هو أصل الداء حقيقة، وتفشي ظاهرة كـ"الفاشينستات" ونحوها إلا تجسيداً لهذا الفقدان والحيرة الواقع فيها شبابنا، والتي تجعلهم بيئة مهيأة لتقبل كل تافه وعارض وضار.