دوما...بعد أن رفض أهلها التهجير
22 رجب 1439
د. زياد الشامي

لم يكن ما يجري في الأيام القليلة الماضية بين جيش الإسلام وأهل دوما من جهة وبين الاحتلال الروسي المهيمن على القرار في سورية "مفاوضات" بالمعنى الحقيقي للكلمة بقدر ما كانت مساومة آخر فصيل ثوري مسلح في خاصرة عاصمة الأمويين دمشق على حياة المدنيين والأبرياء من الأطفال والنساء والمرضى والجوعى المحاصرين منذ أعوام داخل المدينة , وممارسة التهديد والوعيد لإجبار الثوار وأهالي دوما على القبول بالتهجير وتسليم مدينتهم ليصار إلى إدراجها في عملية التغيير الديمغرافي المشؤوم .

 

 

كان مطلب الثوار وأهل المدينة الرئيس بعد كل هذا الصمود وتلك المقاومة وذلكم الصبر هو البقاء في مدينتهم و رفض التهجير المبيت لهم وعدم القبول بالعودة إلى حضن النظام النصيري الذي أذاقهم وأهلهم الموت قصفا وحرقا وجوعا ..... وهو ما لم يرق للدب الروسي وصبيه النصيري الذي يأبى على ثوار دوما وأهلها إلا القبول بالتهجير أو الاستسلام .

 

 

عوّل الاحتلال الروسي خلال أيام "المفاوضات" والهدنة الملغومة على خروج الآلاف من المقاتلين والمدنيين من دوما وعلى نشوب الخلاف بين قادة جيش الإسلام فيما بينهم من جهة وبينهم وبين المدنيين من جهة أخرى فيما يتعلق بمسألة رفض التهجير أو القبول به .....

 

 

إلا أن العدد القليل الذي خرج من المدينة أمس الأول والذي لم يتجاوز الــ 500 شخص فقط في حين كان عدد من ينوي الخروج أمس الجمعة أقل من هذا العدد بكثير....أظهر بشكل واضح فشل ما كان يعوّل عليه الروس وطاغية الشام الأمر الذي  دفعهم إلى منع خروج دفعة كان من المقرر أن تخرج بالأمس و اتهام "جيش الإسلام" بأنه يُخرج الجرحى وبعض المدنيين فقط والزعم بأن الأخير قد خرق الهدنة بقصف مناطق في العاصمة دمشق بينها الربوة ليبرر القصف الهمجي وحملة الإبادة الجديدة ضد المدينة المحاصرة منذ سنين .

 

 

سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها الروس وطاغية الشام عادت من جديد بعد فشل تهجير أهل دوما , فلليوم الثاني على التوالي تستمر حملة الإبادة الجديدة التي تشنها طائرات الروس ومدفعية النظام النصيري مخلفة أكثر من 40 شهيدا من المدنيين وعشرات الجرحى حتى الآن .

 

 

أكثر من 70 غارة جوية شنها الطيران الحربي الروسي والنصيري على المدينة منذ مساء أمس، إضافة للقصف بأكثر من 57 برميلاً متفجراً وأكثر من 500 صاروخ (راجمات صواريخ) و10 صواريخ من نوع (فيل) , ناهيك عن تجدد القصف بمادة الفسفور الحارق من قبل مليشيا طاغية الشام .

 

 

لم يكن أمام ثوار دوما وأهلها الكثير من الخيارات مع أعداء لا يرقبون فيهم إلّا ولا ذمة , ومع محتل روسي يستخدم طاغية الشام ومليشياته للوصول إلى أهدافه وغاياته ولا يقدم لهم إلا خيار الاستسلام أو التهجير الذي لا ضمان فيهما لسلامة المقاتلين الثوار ولا لسلامة أكثر من 120 ألف مدني صبروا وصابروا على الجوع والخوف والقصف والحصار لسنوات .

 

 

قد يبدو قرار الإصرار على عدم الخروج من مدينة صغيرة تحاصرها زبانية الأرض ومرتزقة العالم وتتوعدها أكثر دول العالم امتلاكا للترسانة العسكرية بمختلف أنواعها .....عند البعض قرارا خاطئا , وربما اعتبره البعض الآخر انتحارا أو تعريضا للنفس للهلاك ....إلا أن المتأمل في مآل ومصير خيار التهجير سيستنتج أنه ليس بأفضل حالا من المقاومة إذ لن يجلب الأمن والأمان للمهجرين ولن يضمن لهم عدم تكرار سيناريو الغوطة في الشمال السوري .

 

 

ولعل ما تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي من صور إذلال من خرج من مدن وبلدات الغوطة الشرقية على يد قوات النظام النصيري , وتصفية وقتل العشرات منهم ميدانيا وتجنيد الكثير من الشباب والرجال تمهيدا لزجهم في معارك ضد إخوانهم من الثوار ناهيك عن فيديوهات تعفيش ممتلكاتهم من حرستا ....ما يؤكد كلفة فاتورة التسليم الباهظة التي قد يكون الموت مقاتلا ومقاوما أعز وأقل كلفة برأي من يتمسك به .

 

 

يبقى تقدير الموقف النهائي والقرار الأخير فيما يتعلق بمسألة الاختيار بين التهجير أو المقاومة لثوار دوما وأهلها الصامدين  فهم وحدهم من يحق لهم أن يقرروا مصيرهم بعد كل هذا الصمود والثبات وسط تآمر العدو البعيد وتخاذل وتقاعس الصديق القريب , ويبقى على دول العالم الإسلامي وجوب النصرة والدعم والعمل لمنع تكرار حدوث مجازر جديدة بحقهم , وعلى كل مسلم الدعاء لهم والتضرع إلى الله أن ينصرهم ويفشل مخطط أعدائهم .