مسيرة العودة الكبرى.. الهجوم الشعبي السلمي
2 شعبان 1439
طلعت رميح

ثمة دلالات استراتيجية فائقة الأهمية في مسيرات العودة المنطلقة نحو الأسلاك الشائكة التي تفصل أهل غزة عن بقية الوطن الفلسطيني، هنا لسنا أمام مجرد مظاهرات وفعاليات من تلك التي اعتدنا عليها في غزة بعد تحرير أرضها، ومنذ أصبح الاشتباك مع الكيان الصهيوني يجري عبر قوة المقاومة وحدها.

 

وفي التحليل الإعلامي والسياسي لهذا التحرك فنحن أمام قوة دفع لممارسة مزيد من الضغط والعزلة الدولية للكيان الصهيوني، وأمام تأكيد على التمسك بحق العودة بصفة عامة في مواجهة استباقية، لما سيعلنه ترامب بشأن إلغاء حق العودة كقرار مكمل لخطته في تصفية القضية التي بدأت بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال.

 

وبين هذا وذاك فالتحركات تستهدف إعادة تقديم حركة الشعب الفلسطيني في ظرف دولي وعربي انتقلت فيه بعض الدول بالمقاومة إلى خانة الإرهاب، كما تستهدف إفشال الضغوط التي يمارسها عباس والسلطة الفلسطينية لتغيير اتجاه الحركه الوطنية في غزة من المقاومة إلى الالتحاق بقطار أوسلو والتفريط في الثوابت الفلسطينية.

 

لكن الأهم هو التقييم الاستراتيجي لهذه النقلة الكبرى في خطط حركة النضال الفلسطيني، فهذه الحركة المتصاعدة – وصولا إلى يوم ذكرى إعلان قيام الكيان الصهيوني وما سيتلوها - بمثابة إضافة قوة الشعب الفلسطيني في غزة وفق فعاليات الانتفاضة الشعبية السلمية إلى قوة المقاومة المسلحة التي كانت عنوان المواجهة طوال المرحلة السابقة.

 

نحن أمام امداد حركة الصراع بقوة اضافية في المواجهة، بعد أن ثبتت المقاومة وجودها ودورها وباتت عصية على الهزيمة، إذ لم يعد واردا إعادة احتلال غزة عسكريا بعد أن فشلت القوات الصهيونية عبر عدة حروب واعتداءات شاملة في اقتحام غزة واقتلاع المقاومة.

 

ونحن أمام تحول من الثبات للمقاومة وتثبيت عوامل قوتها كقوة رد ودفاع إلى الهجوم الشعبي السلمي الذي يحمل على أكتاف حركته أخطر وأعقد القضايا أي قضية العودة.

 

ويمكن القول بأن مسيرة العودة المتصاعدة في فعالياتها وإعداد المشاركين فيها ونوعية التحرك، تشكل استكمالا لضلع القوة الثانية في استراتيجية مواجهة وإفشال أهداف الاستراتيجية العامة الحاكمة لحركة المحتل الصهيوني تجاه غزة.

 

تلك الاستراتيجية التي كان قد طورها خبراء وقادة الكيان الصهيوني وقت حكم شارون، وظلت حاكمة للرؤية والحركة الصهيونية من وقتها وحتى الآن.

 

لقد اتخذ شارون قرار اعتماد الخطة الاستراتيجية بالانسحاب المنفرد أو الانسحاب دون اتفاق أو الانسحاب الأحادي من داخل غزة، لوقف نزيف خسائر قواته مع التحول لإحكام السيطرة على غزة من الخارج، جوا وبرا وبحرا، ووقتها قال مقولته المشهورة: أتمنى أن أصحو ذات صباح لأجد غزة قد غرقت في مياه البحر.

 

قامت خطة شارون على سحب قوات الاحتلال من داخل غزة، بعدما تصاعدت أعمال المقاومة حتى حولت هؤلاء الجنود إلى أسرى فعليين تتخطفهم المقاومة في كل يوم، واستبدال ذلك بإحكام الحصار لتحويل ميزة الكثافة السكانية الهائلة -التي شكلت مع ضيق الرقعة السكانية للقطاع أحد عوامل قوة المقاومة – إلى عامل ضعف عبر إلقاء تبعات تدبير شؤون الحياة تحت الحصار المحكم على المقاومة، استهدف شارون – ومن تلاه فى الحكم - وضع الشعب في مواجهة المقاومة، وإدخال القطاع في وضعية التدمير الذاتي.

 

لكن ما حدث هو أن المقاومة ثبتت وتثبت، وأن الشعب الفلسطيني وقف إلى جانب المقاومة ودعمها، فحرك الاحتلال قوته العسكرية بهدف إحداث أكبر قتل من التدمير القتل، لإضعاف المقاومة أو القضاء عليها ولدفع الشعب الفلسطيني للتخلي عن المقاومة، وفشلت المحاولات عبر عدة حروب.

 

واليوم تحدث الحركة الوطنية الفلسطينية نقلتها الثانية التي تحول الشعب الفلسطيني من داعم للمقاومة ومحتضن لدورها ومدافع عنه، إلى قوة ضغط مقاومة أيضا، وهو ما يسقط أهداف الخطة الاستراتيجية المعتمدة منذ حكم شارون، ويحقق قوة اندفاعه لقدرة الحركة الوطنية الفلسطينية نحو الهجوم السلمي عبر أخطر القضايا التي تزلزل الوجود الصهيوني وعبر وسائل قوة الحراك الشعبي السلمي التي تضعضع كل محاولات اتهام الحركة الوطنية الفلسطينية بالإرهاب.

 

وهكذا تثبت الشعوب المحتلة قدرتها اللامحدودة على تعميق وتجدد قدرتها على المواجهة حتى تحقيق استقلالها.

المصدر/ (الهيئة نت)