أقتنع قناعة تامة أن مسالة النجاح في رمضان على مستوى الإنجاز الإيماني هو من أصله توفيق من الله سبحانه، ونعمة ومنة وفضيلة، يمن الله بها سبحانه على المخلصين الطيبين.
لكن الحقيقة أيضا أن كثيرا منا في زحمة الأجواء المحببة للنفس في رمضان تتوه منه اللحظات الغالية الثمينة من هذا الشهر الكريم، وتتوالى أيامه فيفاجأ بانقضاء الشهر ويداه خاليتان مما كان يرجو ويؤمل..
تتوه منهم لحظاته بين نوم طويل، وتسليات مغفلة، وكسل متثاقل، ولهو منس وطعام وشراب وغيره
هذه حالة يعاني منها الكثيرون، والغريب أن معاناتهم هذه ليست جديدة حادثة، بل هي متكررة عبر السنين!
الحقيقة إن هناك أسباباً لهذه الحالة السلبية أدت إلى ترسخها بهكذا وصف:
أول هذه الأسباب خلط الأولويات في الأوقات، وعدم التفريق بين أصناف الأعمال، فنساوي الضروري بالحاجي، والهام العاجل بالعاجل غير الهام!
فالأهمية الأولى تحدد باعتبار قيمتها، ومدى لزوم عملها في الوقت المحدد، وهل يصلح الاعتذار عنها أو التفويض فيها أو لا..
وبهذه الاعتبارات تصبح العبادة في شهر رمضان بالخصوص حاضرة للمرتبة الهامة العاجلة، إذ إنه شهر خاص، بوقت خاص، بميزات خاصة، لايمكن تكرار فضائله عبر العام، ولايمكن التفويض في أداء وظائفه، كما لايمكن الغياب عنها أو الاعتذار..
ويصبح بالتالي ترتيب الأوقات وتعديلها بحسب هذه الأولوية واجب في هذا الشهر..
فالأولوية يجب أن تكون دوما على جدولك للأعمال الهامة العاجلة وهي الأعمال المهمة جداً التي لايمكن تداركها إن فاتت ولايمكن التأخر عنها.
وثانيًا للأعمال الهامة غير العاجلة وهي المهمة التي يمكن تأخيرها قليلا، لكن يلزمها الإعداد الجيد والهادئ لها.
والمستوى الثالث من الأعمال: هو مستوى العمل غير الهام العاجل، وهو ذلك المستوى الذي يقدمه معظم الناس في أولوياتهم على أعمالهم الأخرى، وربما يتسبب ذلك في إرباك كبير في جدول أعمالهم، وهذا المستوى يحسن فيه إما الاعتذار أو استخدام التفويض في العمل بحيث ما أمكن أن يؤديه غيرك فلا تتردد فورا في تفويض أحدهم بذلك.
وأما المستوى الرابع: فهو مستوى الأعمال غير الهامة غير العاجلة، ومكانها في مؤخرة الجدول ولا شك
ولأضرب هنا مثالا واحدا في جواهر رمضان المغفول عنها، بأوقات السحر قبيل الفجر..
تلكم الدقائق الغالية، حيث ينشغل كل امرئ بما يهمه من شأن نفسه، وينشغل المؤمنون فيها بشأنهم مع ربهم سبحانه، يدعونه ويرجونه ويستغفرونه.
فهذا الوقت وقت مركب من الفضائل، حيث السحور، وتوقيت الاستغفار، ونزول الرب سبحانه نزولا يليق بجلاله يقبل الدعاء، وانتظار صلاة الفجر المشهودة..وغير ذلك
فهذا وقت يجب أن يوضع في الأولوية لكل مؤمن ولكل أسرة طوال هذا الشهر..
وانظر إلى التابعي الجليل طاووس بن كيسان يطرق أحد تلاميذه في السحر لحاجة، فقيل نائم – ولما يطلع الفجر بعد – فاستغرب وقال: ما كنت أظن طالب علم ينام في السحر.
والصحابي الجليل عبد الله بن عمر كان في الليل يصلي ويسبح ويحمد، ثم ينادي على نافع، يا نافع أسحرنا؟! فيقول نعم، فيبتدئ بالاستغفار.