موقع العراق حاليا في الصراع الأمريكي الإيراني
26 رمضان 1439
طلعت رميح

تتعدد الملفات في الاشتباك الجاري في الإقليم مع ايران، وإذ بات مفهوما أو ممهورا بالدم مواقف الشعوب العربية والسنة بشكل خاص، من الاعتداءات الإيرانية الجارية عبر ميليشياتها المتوحشة في الدول العربية، من العراق إلى سوريا إلى اليمن – وقبلها الأحواز - فالجديد الآن هو الحديث عن موقف أمريكي "معاد لإيران" بسبب هذه الصراعات.

 

فوفقا للتصريحات والأنباء، جرى تغيير في الموقف الأمريكي من إيران عبر بوابة إلغاء الاتفاق حول الملف النووي، ووصل الحال من بعد أن وضع وزير الخارجية الأمريكي – الجديد – (12) شرطا على إيران، ملخصها المباشر أن يتوقف كل سعي إيران لامتلاك التقنيات النووية إلى حد الانتاج العسكري، وأن تتوقف إيران عن تطوير برنامجها الصاروخي أو تهديدها الصاروخي وأن تغير – إيران - سلوكها "الخبيث" أو العدواني تجاه وفي داخل الدول العربية.

 

وإذ جرت أقوال أمريكية سابقة حول نفس حالة الخلاف أو الصراع مع إيران، فما لفت النظر هذه المرة هو وضع وزير الخارجية الأمريكي شروطا ذكر العراق فيها ضمن الدول التي تمارس فيها إيران سلوكها الخبيث، وإن جرى من بعد وضع بعض الميليشيات الإيرانية العاملة ضد شعب العراق على قوائم الإرهاب.

 

هنا بات مطروحا على الأذهان محاولة إعادة تعيين موقع العراق في الصراع الأمريكي مع إيران، إذ جاءت تلك الأقوال أو التصريحات أو القرارات الأمريكية بشأن الميليشيات الإيرانية في العراق، متناقضة مع طبيعة المعروف والواقع الفعلي في العلاقات الأمريكية الإيرانية في العراق وبشأنه، إذ تلك الميليشيات – هي بعينها -من كانت تعمل حتى أيام قليلة مضت تحت حماية الطيران الأمريكي ضد تنظيم الدولة أو لنقل خلال العملية المخططة المشتركة لهدم كيانية المجتمعات السنية، كما العراق كان هو الشاهد على أعلى درجات التوافق والتحالف والتنسيق بين الولايات المتحدة وإيران منذ تشارك البلدين في خطة غزو واحتلال العراق ومن بعد في تشكيل سلطة الاحتلال في مراحلها المتتالية... الخ.

 

وأول ما يجب فعله في محاولة فهم موقع العراق في الصراع وما الذي تغير أو ربما سيتغير، هو طرح أربعة أسئلة محورية.

 

أولها: هل تغيرت استراتيجية أمريكا وخطتها المعتمدة كليا على الدور الإيراني في إقامة حالة طائفية سياسية وجغرافية ومفاهيمية تطغى على العراق وتدخله في دوامة الصراع والاقتتال الأهلي حتى التقسيم؟.

 

هذا التغيير هو ما يجب الإفصاح عنه إذ مجرد اطلاق تصريحات هنا وهناك بشأن إيران لا يفيد بحدوث تغيير في العراق، فإن كان هناك تغيير في الرؤية والخطة الأمريكية، فعلى الولايات المتحدة أن تعلن عن شكل الحكم الذي ستسعى إليه وأن تحدد طبيعة سلطة الاحتلال الأمريكية، والمعنى هنا أن اطلاق الولايات المتحدة تصريحات مختلفة بشأن الميليشيات الإيرانية في العراق لا يفهم جوهره وتأثيراته إلا بالعودة للخطة الأمريكية في العراق: هل تغيرت الاستراتيجية الأمريكية في العراق، ليس الأمر بالموقف من إيران، بل بالموقف من العراق.

 

وثانيها: وهل ستدخل الولايات المتحدة في حالة صراع عسكري ضد الميليشيات الإيرانية؟، فإن كانت الإجابة بنعم، فكيف سيحدث هذا التحول وهل ستحشد الولايات المتحدة قواتها في العراق لمقاتلة الميليشيات الإيرانية أم أنها ستشكل هي الأخرى ميليشيات على غرار الصحوات هذه المرة لقتال الميلشيات الإيرانية؟، هذا سؤال كاشف.

 

وثالثها: هل تسعى الولايات المتحدة إلى طرد النفوذ والدور الإيراني من العراق؟، ذلك أمر يحتاج إلى خطة فرز بين الطائفيين المرتبطين بإيران والآخرين المرتبطين بالولاء لأمريكا؟، ويتطلب تحديد القوى السياسية القادرة على لعب هذا الدور وخططا واستراتيجيات؟، ثم كيف ستدير الولايات المتحدة العراق في تلك الحالة؟.

 

ورابعها: ومن الأصل، لماذا تدخل الولايات المتحدة في صراع مع إيران في العراق؟ أليس كل ما تريد فعله هو ما يجري؟، وما المصلحة التي ستجنيها الولايات المتحدة مقارنة باحتمالات تغيير موازين القوى ضد الاحتلال الأمريكي منفردا؟، كما يجب التساؤل: وهل شكلت أمريكا شبكة مصالح لدول إقليمية أخرى في العراق لتحل محل إيران؟، وكيف نفهم سعي الولايات المتحدة لإخراج النفوذ الإيراني فيما كل نفوذ إيران جار لمصلحة الاحتلال الأمريكي.

 

واقع الحال أن العراق هو الكاشف لحدود وطبيعة المصالح والتناقضات بين إيران والولايات المتحدة، وواقع الحال أن كلا من الولايات المتحدة متحالفان ومتصارعان على الأنصبة من الاحتلال منذ بدايته وحتى الآن، وأغلب التقدير أن ما قيل أمريكيا هو محاولة لتقليل نفوذ إيران في العراق، بعدما تخطى نفوذها وتأثيرها ما تصورته أو سعت إليه أو اتفقت عليه الولايات المتحدة، وفى كل الأحوال، يجب أن تبقى أعين أهل العراق وقواه الوطنية على رفضها للاحتلال "كليا" وعدم الوقوع في لعبة الصراع بين طرفين محتلين يسعى كل منهما لزيادة نصيبه في نهب العراق.

 

المصدر/ موقع هيئة علماء المسلمين في العراق