طائرات فلسطين الورقية.. ورقة استثنائية على الطاولة
24 شوال 1439
أمير سعيد

يمتاز اليهود بأنهم يجعلون من "اللا شيء" ورقة للتفاوض، ودرجة لمستويات أعلى من المطالب، ما يجد أعداؤهم أنفسهم كثيراً قابعين في زاوية ضيقة تتوالى فيها عليهم المطالب والضغوط.

 

 

اليوم يفلح شباب فلسطين، كعادتهم، في وضع أوراق جديدة للتفاوض والضغط لا تكلفهم سوى دراهم قليلة، فبعد مسيرات العودة التي أرهقت الساسة الصهاينة وألجأتهم إلى الإيعاز لبعض أدواتهم لطلب إثناء الفلسطينيين عن الاستمرار في تسيير آلاف الفلسطينيين بالقرب من حدود فلسطين المحتلة (48) المسماة – زوراً – بإسرائيل، لإدراكهم بخطورة إحياء مظلومية التهجير القسري التي مارستها "إسرائيل" ضد الفلسطينيين منذ إنشاء كيانها الغاصب، وطمسها لقضية حق العودة لللاجئين الفلسطينيين، والتي جاءت المسيرات لتضعها مجدداً في واجهة الأحداث وترفعها إلى الطاولة بعد إسقاطها لاسيما في توقيت تحرص قوى عديدة على هذا الإسقاط وتذويب القضية برمتها في الأسيد الصهيوني.

 

 

حلقت الطائرات الورقية الفلسطينية محملة بزجاجات النفط الحارقة، تسيرها الرياح إلى أجل ومكان، تحرق آلاف الدونمات التي يزرعها الغاصبون في أرض فلسطين المحتلة، وتشعل النار بأكثر من ربع تلك الأراضي المتاخمة لحدود قطاع غزة المحاصر، طبقاً لتقرير للقناة الثانية العبرية.  

 

 

بدت لأول وهلة أشبه بطرفة أو مناورة صبيانية لا تحمل تهديداً لكيان يتوفر على آلاف الأطنان من الأسلحة المتطورة تتقدمها طائرات إف35 وقبة قيل إنها فولاذية أخفقت عن اصطياد ثلث الطائرات الورقية المسيرة إلى خارج حدود القطاع بحسب وزير العدوان الصهيوني إفيغور ليبرمان. ما بدا أنه صبياني استحال استراتيجياً، حتى إن رئيس بلدية النقب الغربي المحتل داني بن ديفيد وصف ما يجري بالحرب الحقيقية التي لا يملك الجيش "الإسرائيلي" أي وسيلة لمواجهتها وفقاً لما ذكرته القناة الثانية العبرية.

 

 

كجمعة الكاوتشوك، التي ضلل فيها الدخان الناجم عن حرق الإطارات أجهزة الرصد "الإسرائيلية"، ثمة الكثير في جعبة الفلسطينيين، التي تستخدم أدوات بدائية لكنها فعالة، وتبدأ صغيرة ككرة ثلج متدحرجة سرعان ما تشكل تهديداً وعنصر ضغط مؤثر. على نحو يذكر بالصواريخ التي وصفها رئيس عربي ذات يوم بأنها "بمب العيد"، فتطاولت حتى صارت تهدد تل أبيب، وتخترق واحدة من أقوى الدفاعات الأرضية المسماة بالقبة الفولاذية، تلك الصواريخ التي ظهرت لأول مرة مصنوعة من مواسير الصرف الصحي، الحاملة لرؤوس متفجرة مصنعة من مواد كيماوية بسيطة متوافرة مخلوطة بنبات الملوخية لتصل لمدى قصير لا يتجاوز بضعة كيلو مترات لتصل إلى أبعاد تتجاوز المائة والخمسين كيلو متراً فيما بعد، ولهذا حين تحدثت وسائل الإعلام العبرية عن وصول الطائرات الورقية الحارقة إلى النقب الغربي على بعد  16 كيلومترا من قطاع غزة، أمسى القلق مبرراً لدى الصهاينة، فالمسألة لا تنحصر في خسائر مادية تصل إلى نحو مليون شيكل خلفها إطلاق هذه الصواريخ، وإنما ما تحمله من استفزاز وإزعاج وتخويف لسارقي الأراضي ومغتصبي البيوت، الصهاينة على تخوم قطاع غزة.

 

 

على أن أخطر ما يقرأه الغاصبون في مثل هذه "الحيل الحربية" الجديدة والبسيطة، ليس في تكلفتها الزهيدة، ولا في خسائرهم الباهظة، ولا في الإزعاج المستمر، فحسب، إنما هو في قدرة الفلسطينيين على استحداث أدوات جديدة للصراع، وتصنيع أوراق جديدة للعبة، ولهذا دب شيء من اليأس لدى القيادة الصهيونية حداها إلى أن تطالب آسري الجنود الصهاينة في غزة بالتفاوض فوراً بشأن الإفراج عنهم في مسعى لتحقيق صفقة يرضى عنها قطعان الاحتلال في فلسطين المحتلة.

 

 

هذا هو ما يتعين الالتفات جيداً إليه: أن إحداث كوة في جدار الهيمنة السميك يتطلب اختراقات نوعية، وإبداع مستمر، وعزيمة قادرة على الصمود والاستمرار، وقناة لا تلين أبداً مهما تساقط من حولها المتخاذلون.