بث الانهزامية.. أعداءٌ يمكرون وجَهَلَةٌ ينشرون!
19 ذو القعدة 1439
منذر الأسعد

"الثائر لأجل مجتمع جاهل هو شخص أضرم النيران بجسده كي يضيء الطريق لشخص ضرير..هكذا وجدنا شعبنا لا يتكلم عن المفسدين..الذين نهبوا البلاد والعباد...وبقي الشعب فقط لقلقة لسان...ولم يضعوا حدًّا للمفسدين..بسبب حبهم للدنيا وعدم الاهتمام بالآخرين"
هذا الكلام منسوب إلى الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله..

 

 

=وراعي أغنام وشى بغيفارا..
=ونابليون خلال احتلاله لمصر، أراد العفو عن قائد المقاومة محمد كريم لقاء فدية مالية، لكن الذين جاهد كريم لأجلهم رفضوا مساعدته ولو من باب القرض الحسن!! فلم يستجب له تاجر واحد بل اتهموه بأنه كان سببًا في دمار الإسكندرية وفي تدهور الأحوال الاقتصادية ...

 

عاد محمد كريم  خالي الوفاض فقال له نابليون: ليس أمامي إلا إعدامك

 

ليس لأنك قاومتنا وقتلت جنودنا ولكن لأنك تبذل حياتك من أجل جبناء تشغلهم تجارتهم عن حرية الأوطان..

 

 

تلك هي خلاصة منشور مليء بالسموم يجول أرجاء مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة أن " ثقافة النسخ واللصق" تخدع الجميع وتجعل كل ناسخ لاصق يشعر أنه أديب في مستوى الرافعي والعقاد، ومفكر من وزن ابن خلدون.

 

لغةٌ في غير زمانها ولا مكانها!

 

أجريتُ بحثًا سريعًا عن الكلام المنسوب إلى الشيخ رضا فلم أظفر بشيء. وهذا الذي كنتُ أتوقعه مسبقًا.

 

واستوقفتني كلمة" ثائر" التي أكاد أجزم أنها لم تكن متداولة في زمن الشيخ (  الذي  وُلد 27 جمادى الأولى 1282 هـ/23 سبتمبر 1865 م وتوفي     23 جمادى الأولى 1354 هـ/22 أغسطس 1935م).. بل إن مصطلحات الثورة والثائر والثوار حتى في وقتنا الحاضر، لا تنتمي إلى قاموس أهل العلم الشرعي!
فالمصطلح الشرعي المتفق عليه لدى المسلمين سلفًا وخلَفًا هو : الجهاد، وله أحكامه المستندة إلى الكتاب والسنة وتطبيق الصحابة له بضوابطه المستقرة.
والجهاد يكون لإعلاء كلمة الله، وليس لإرضاء البشر.

 

فكيف والنص المريب المنسوب إلى الشيخ يخلط بين ما يُفترض أنه مقارعة الغازي الأجنبي، وبين التصدي للفساد الذي يقتضي وجود دولة حرة مستقلة ومستقرة!

 

 

بطولة محمد كريم
كان محمد كريم رحمه الله حاكمًا لمدينة الإسكندرية بمصر عندما غزاها الإمبراطور الفرنسي البغيض: نابليون بونابرت، فأبى أن يسلّم إليه مدينته بل قاد  المقاومة الشعبية المصرية ضد الغزاة الفرنسيين عندما وصلوا إلى الإسكندرية تحت قيادة نابليون. فقد بدأ على الفور في العمل مع الصيادين والعمال فوق حصون الإسكندرية ليصد الفرنسيين عن مصر. وثبت مع رجاله رغم نيران مدافع الفرنسيين. ثم إنه لم يستسلم حتى عندما دمرت المدافع حصون الإسكندرية، إذ إنه بدأ معركة أخرى في شوارع الإسكندرية ومداخلها لمقاومة زحف الفرنسيين إلى الداخل. وعندما أسره جيش الاحتلال  حاول نابليون  إغراءه  فأطلق سراحه ورد إليه سيفه. لكنه  عاد إلى تغذية حركات المقاومة. ومن ذلك أنه لجأ إلى الصحراء لإعداد المجاهدين وإرسالهم إلى صفوف المقاومة.

 

خذت دعوة محمد كريم إلى المقاومة الشعبية تلقى صداها بين المواطنين فعمت الثورة أرجاء المدينة، فاعتقل كليبر بعض الأعيان للقضاء على الثورة دون فائدة..

 

ومع تزايد الثورة وارتفاع حدة المقاومة الشعبية في الإسكندرية.. أمر كليبر بالقبض على  محمد كريم ثم أرسله إلى القاهرة  فوُجِّهت إليه تهمة التحريض على المقاومة و"خيانة" الجمهورية الفرنسية، وفي أثناء  المحاكمة  المهزلة، أرسل نابليون رسالة إلى المحقق يأمره فيها أن يعرض على محمد كريم أن يدفع فدية قدرها ثلاثون ألف ريال  إلى خزينة الجيش المحتل ليفتدي نفسه.. فرفض محمد كريم أن يدفع الفدية، ولما ألح عليه البعض في أن يفدي نفسه بهذه الغرامة رفض وقال: " إذا كان مقدوراً عليَّ أن أموت فلن يعصمني من الموت أن أدفع الفدية، وإذا كان مقدوراً عليّ أن أعيش فعلام أدفعها ؟ ".

 

وفي يوم سنة 1213هـ  / 1798م أصدر نابليون بونابرت أمراً باعدام محمد كريم ظهراً في ميدان القلعة رمياً بالرصاص، ونُفذ الحكم الجائر في ميدان الرميلة بالقلعة.

 

أين الحقيقة من الاختلاق؟
فالرجل رفض دفع الفدية ابتداءً، ولم يقع شيء من تهريج المنشور اللئيم..

 

وكان الناس يستجيبون لنداءاته التي يحثُّهم فيها على المقاومة بالرغم من انعدام التكافؤ في موازين القوة العسكرية !

 

إن للمنشور الخبيث هدفًا ضمنيًا لا يخفى على عاقل.. إنه يريد توهين النفوس وزرع اليأس في قلوب الشعوب المسلمة التي تجاهد الغزاة الغاصبين.. ويسعى إلى تشويه الجهاد المشرّف  المشروع ليبدو كأنه محاولة لإرضاء الخلق!! ثم الافتراء على الشعوب بأنها لا تستحق تلك التضحيات..

 

ولو أصغى البشر لمثل هذا الإسفاف المتهافت لما تحررت أمةٌ من الاستعباد الأجنبي البتة!