وجهة نظر مغربية "علمية".. الصحراء الغربية والأبعاد الإستراتيجية
30 رمضان 1429
إدريس الكنبوري
الكتاب: الصحراء: الروابط الاجتماعية والرهانات الإستراتيجية
المؤلف: البروفيسور محمد الشرقاوي
الناشر: منشورات باردويل. أوكسفورد. ديسمبر 2007. 206 صفحات من الحجم الكبير
 
يعد نزاع الصحراء الغربية أهم عنصر من بين أسباب عدم الاستقرار بمنطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا منذ زوال الاستعمار الفرنسي من المنطقة في النصف الثاني من القرن الميلادي الماضي، فقد بقيت تلك القضية بمثابة مسمار جحا الذي يتيح للقوى الاستعمارية السابقة أو القوى الجديدة الطامعة في الهيمنة البحث عن موطئ قدم لها وإعاقة الاندماج المغاربي والتقارب بين بلدان المنطقة.
 
والكتاب الذي بين أيدينا، لمؤلفه محمد الشرقاوي الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحوث الاجتماعية، من أهم الكتب العلمية التي صدرت في الموضوع، لأنه يرتكز على المعطيات العلمية الدقيقة بعيداً عن الطابع الإنشائي والدعائي الذي طبع الكتابات الصادرة في نفس الموضوع، على قلتها.
يتكون الكتاب من جزأين وتسعة فصول. ويسعى المؤلف من خلاله إلى "إعادة كتابة" تاريخ العلاقة بين المغرب والمناطق الصحراوية عبر التاريخ، من خلال الوثائق الاستعمارية الفرنسية نفسها والمعطيات الاجتماعية والبشرية، وتحليل تأثير توازن القوى في المنطقة المغاربية على مشروع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه.
 
وقد جاء الكتاب ثمرة جهد كبير قام به المؤلف كما تطلب منه عملاً ميدانياً والاطلاع على الأرشيفات على مدى عشر سنوات، متنقلا بين المغرب وفرنسا وإسبانيا والجزائر، وتزامن صدوره مع انطلاق المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة بين المغرب وجبهة البوليساريو المطالبة باستقلال الصحراء، بعدما تقدمت الرباط بمبادرة حول الحكم الذاتي للصحراء نالت قبول "المجتمع الدولي". ومن شأن الكتاب ـ تأسيسا على ذلك ـ أن يقدم رؤية علمية للمهتمين والمتابعين حول النزاع المستمر منذ40عاما واستنزف مقدرات المنطقة وأعاق مسيرة بناء الاتحاد المغاربي.
 
يؤكد المؤلف أن العلاقات التاريخية بين سلاطين المغرب وبين القبائل في الصحراء ظلت قائمة دون انقطاع عبر مختلف المحطات التاريخية، الأمر الذي تظهره وثائق البيعة المرفوعة إلى سلاطين المغرب من قبل تلك القبائل، والتي يجددون فيها ولاءهم وبيعتهم، كما تظهره وثائق محكمة لاهاي خلال طرحها موضوع الصحراء لأول مرة بين عام 1979 و1982، والتي أكدت في النهاية مغربية الصحراء من خلال عقود البيعة.
 
 غير أن أهم معطى جديد في الكتاب، بالإضافة إلى هذه الجوانب التاريخية والقانونية التي تؤكد ارتباط الصحراء بالمغرب، هو الدراسة الاجتماعية العميقة التي قام بها الباحث من خلال الوثائق وعقود الزواج خلال الثلاثين عاما الماضية، التي تظهر عمق الروابط الاجتماعية والبشرية بين المغرب وسكان الصحراء، إذ يقول الباحث إن المقياس الذي لا يناله الشك ويمكن الاعتماد عليه في كل مجتمع لملاحظة مدى انفتاحه هو مقياس الزواج الذي يعد"واحدا من المؤشرات الأكثر أهمية في الاندماج، بينما المجتمع الذي يكتفي بالتبادل بين أفراده فقط هو مجتمع مغلق". وبذلك يرد المؤلف على بعض المقولات السائدة لدى الباحثين الغربيين والتي تتعامل مع مشكلة الصحراء الغربية كأنها جزيرة قائمة الذات منطقة عن تاريخ المنطقة، من منطلق استعماري يدافع عن تجزئة المنطقة وإنشاء دويلة جديدة فيها.
 
يوضح الباحث من خلال الإحصاءات والأرقام أن ظاهرة الزواج المغلق بين القبائل الصحراوية شهدت تراجعا بين 1947 و 2007، سواء بالنسبة للنساء أو الرجال، ومنذ العام 1975، تاريخ خروج الاستعمار الإسباني من المنطقة، تراجع الزواج المغلق بنسبة 45 بالمائة بالنسبة للرجال و39 بالمائة بالنسبة للنساء.و ويستنتج المؤلف من خلال تلك المعطيات أن منطقة الصحراء تتجه أكثر فأكثر نحو الاندماج في المغرب، وأن الحديث عن فصل الصحراء عن باقي التراب المغربي يعني فصل عشرات بل مئات من العائلات المتصاهرة فيما بينها.
 
 أما القسم الثاني من الكتاب فيدرس فيه المؤلف انعكاسات توازن القوى في المنطقة المغاربية على مستقبلها وعلى مشروع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي تعمل الولايات المتحدة على ترويجه. ويرى الكاتب أنه منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي انتهت الأطروحة الغربية التي سادت في العلاقات الدولية قبل تلك الفترة والتي كانت تقول بأن منطقة المغرب العربي تدخل ضمن إطار مجال التأثير الأوروبي وأن أوروبا عليها أن تعلب الدور الأبرز في المنطقة، فلم تعد تلك المقولة حاضرة بنفس القوة أمام الحقائق الدولية الجديدة، بعدما طرحت الولايات المتحدة عام 1998 مشروعها المسمى"مبادرة إيزنشتات" خلال ولاية بيل كلينتون. وحسب تلك المبادرة فإن إفريقيا لم تعد ـ في الرؤية الأمريكية ـ منطقة بعيدة ونائية بل أصبحت شريكا أساسيا في الاقتصاد الأمريكي، وقد أطلقت تلك المبادرة لأول مرة ديناميكية العلاقات الاقتصادية المغاربية ـ الأمريكية فأصبحت واشنطن منافسا رئيسا لفرنسا، المسيطر التقليدي على المنطقة في العصر الحديث.
 
غير أن التحول الأكبر في السياسة الأمريكية إزاء منطقة شمال إفريقيا عموما جاء بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 حيث أضيف إلى التعاون الاقتصادي بين واشنطن وبلدان المنطقة تعاون أمني لمكافحة ما تسميه الإدارة الأمريكية بالخطر الإرهابي في المغربي العربي وشمال إفريقيا، فكثفت الإدارة الأمريكية منذ ذلك الوقت من إرسال المبعوثين العسكريين والمدنيين إلى بلدان المنطقة وزادت من عدد المناورات العسكرية المشتركة مع جيوش تلك البلدان، كما بدأت في منحها الدعم المالي والعسكري واللوجيستي. وفي عام 2002 طرحت الإدارة الأمريكية مشروع"بان ساحل" من أجل ما تزعم أنه  محاربة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، وأشركت فيه بلدان شمال وغرب إفريقيا، وفي عام 2005 طرحت نفس الإدارة مبادرة جديدة أطلقت عليها تسمية"ما وراء الساحل"، كانت استمرارا للمبادرة السابقة وتم فيها إشراك بلدان إفريقية أخرى.
هذا التغلغل الأمريكي المتعدد المستويات في المنطقة أصبح يملي على البلدان المغاربية تحقيق الاندماج بينها للحيلولة دون تحلل الدولة الوطنية القائمة لفائدة مشاريع أجنبية ذات رهانات استراتيجية مختلفة. ويلاحظ الباحث أن التقارب المغربي ـ الجزائري يبقى محور هذا الاندماج، فيما يظل حل نزاع الصحراء محور هذا التقارب.
 

وضمن إطار تحليل واقع توازن القوى بين المغرب والجزائر يشير المؤلف إلى أن التوجه الجزائري المكثف في السنوات الأخيرة نحو اقتناء المزيد من الأسلحة والعتاد العسكري من روسيا على الخصوص يسمم الأجواء في المنطقة ويدفعها إلى مواجهة عسكرية بين البلدين، من شأنها أن تجر شعوب المنطقة نحو الكارثة وتبرر التدخل الخارجي.