خيمة القذافي وأزمة الأمة
8 ذو القعدة 1429
منذر الأسعد













لا مشكلة في أن تكون للدول علاقات قوية بغيرها من الدول ما دامت في إطار مصالحها العليا وفي حدود الاحترام المتبادل- فعلياً لا لفظياً -. وهذا الاحتراز ضروري  جداً في زمن الاتفاقية التي يفرضها الاحتلال الأمريكي اليوم على العراق المستباح عسكرياً من خلال واجهات وأدوات محلية لا تتقن سوى تنفيذ أوامر سادتها!!ولعل من يطالع اتفاقات الإذعان بين بريطانيا "يوم كانت إمبراطورية"وبين مستعمراتها،تصبح لديه فكرة مكتملة عن النفاق الغربي حيث نصّت تلك الاتفاقات على حق كل جانب في استخدام مطارات الآخر العسكرية عند الحاجة،علماً بأنه كان للإنجليز أسطول من الطيران الحربي في حين لم يكن لدى الجانب التابع أي طائرات!!وكان من واجب كل طرف مشاركة الطرف الآخر وتسخير موارده في أي مواجهة عسكرية يخوضها!!

فمن الناحية المبدئية،لا بأس في أن تكون لليبيا وغيرها من البلدان المسلمة صلات ندّية مع الدول الأخرى بشرط ألا تكون دولاً معتدية،وأن يكون التعامل على قدم المساواة وفي حدود تبادل المنافع بين الدولتين.وعليه فسوف ترتسم علامات الاستفهام والتعجب أمام كل من يناقش زيارة العقيد معمر القذافي الحالية إلى روسيا.

بيد أن من ينظر إلى الزيارة نظرة سطحية يقع في تجاهل لجملة من المعطيات التي تثير علامات الدهشة وترفع درجة الحنق على مصير شعوب مسلمة سيطر على مقدراتها مستبدون لا يرقبون فيها ولا في مستقبل أجيالها إلّاً ولا ذمة.

ونقطة الانطلاق هي الخيمة باهظة التكلفة التي يصر عقيد ليبيا على اصطحابها في جميع جولاته الخارجية،بالإضافة إلى حشود الحراسة النسائية المبالغ فيها،وهي مظاهر استفزازية جعلت مع أشباهها من الرجل مثار سخرية واستهزاء على الصعيد الدولي.

فإذا تجاوزنا الشكل-على أهميته-إلى عمق المحتوى،تصدمنا تسريبات عن احتمال إقامة قاعدة عسكرية روسية في بنغازي الليبية.فبأي حق يصبح البلد سلعة يتاجر بها الحاكم وفقاً لمصالح نظامه وعائلته المهيمنة أو بحسب مزاجه وهواه ؟وبأي منطق تصبح السياسة لعبة أطفال تنتقل من يد أجنبية إلى يد أخرى؟

إن عقدة العُقَد في أكثر ديار الإسلام تكمن اليوم في الاستبداد الجائر الذي أحال الدول إلى مزارع شخصية للمستبد وبطانته  الفاسدة،ولولا ذلك لما استطاع القذافي-وهو نموذج أمثاله كثر-لما استطاع أن يقدم للغرب مليارات الدولارات تعويضاً عن ضحايا طائرة لوكيربي،فإما أنه بريء من وزرها فلا يرضخ ويقف شعبه معه،وإما أنه فعلها فكيف يسدد الشعب ثمن خطايا وجرائم حاكم أو جهاز استخبارات عفن؟

ولولا هذه الحقيقة المؤلمة لما تمكن القذافي من تسليم واشنطن ما يقال إنه نواة مشروع تسلح نووي ليبي!!وكأنه ملكية خاصة ورثها الرجل عن والده!!

صحيح أن الغرب المنافق شريك رئيس في كل هذه الجرائم،لكن النصف الآخر من الحقيقة يتلخص في أن الغرب لم يكن ليحقق أطماعه تلك من دون القابلية للاستعمار الراسخة في قلوب وعقول بعض النخب المنتسبة إلى الإسلام والتي تتكلم بلسانها لكنها أُشْرِبَت العمالة وتقديم مصالح النفس الأمّارة بالسوء على الأمة وحاضرها ومستقبلها!

أجل!!إنها معضلة الأمة وليست مشكلة بلد أو استثناء يخص هذا الديكتاتور أو ذاك.وما لم تملك الشعوب زمام أمورها بالتي هي أحسن فإن ثرواتها سوف تبقى سلعة رخيصة في سوق النخاسة العالمية يبيعه المستبد لسادته ثمناً لاستمرار كرسيه المهتز بين أيديهم لكنه قوي بالبطش والقمع على أبناء شعبه.