د.الكتاني بجامعة الرباط: الاستثمار العقاري خاطئ وليس أمامنا إلا البحث العلمي.."وهو خير لكم".. الأزمة نتاج 11 سبتمبر
14 ذو القعدة 1429
إدريس الكنبوري

يتحدث الدكتور عمر الكتاني، أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة الرباط وأحد المشاركين في موسوعة الاقتصاد الإسلامي التي يصدر جزؤها الثالث قريبا بلندن، في حواره مع موقع"المسلم" عن الأزمة المالية العالمية الحالية التي ضربت الاقتصاد العالمي، وانعكاسات الأزمة على الاقتصاد الإسلامي وآفاق الأزمة، والذي استعرض من خلاله الحديث عن نظرية المؤامرة في الأزمة، وتداعياتها العربية، وفوائدها، وتوقعاته المستقبلية، وتحدث كذلك عن توحيد العملة وهل تكون ذهبية أم لا بالنسبة للمسلمين..

فإلى نص الحوار:

 
 
ـ ما هو تأثير الأزمة المالية العالمية على الحالة الاقتصادية في العالم الإسلامي؟
ـ العالم الإسلامي ليس متجانسا وبالتالي يرتبط تأثير الأزمة المالية العالمية على كل دولة إسلامية حسب ثلاثة عناصر أساسية:
ـ مستوى العلاقات التجارية التي تربط هذا البلد بالولايات المتحدة الأمريكية أولا وبأوروبا ثانيا
ـ مستوى التوظيفات المالية المتبادلة بين هذا البلد والولايات المتحدة وأوروبا
ـ مدى ارتباط عملة هذا البلد بالدولار وباليورو وبسلة من العملات.
 هذا بالإضافة إلى مستوى الوضع الاقتصادي والذي يدفعنا إلى تقسيم الدول الإسلامية إلى ثلاثة كتل اقتصادية:
ـ الدول الإسلامية المنتجة والمصدرة للبترول
ـ الدول الإسلامية الآسيوية التي تعرف نموا سريعا
ـ والدول الإسلامية الأخرى التي تعرف نموا معتدلا وضيقا.
وبحكم أن جل الدول الإسلامية لها علاقات استيراد وتصدير إلى الولايات المتحدة وأوروبا فكلها ستتأثر سلبا، خاصة الدول المنتجة للبترول بسبب انخفاض الاستهلاك وتراجع سعر البترول، ثم الدول الآسيوية بسبب انخفاض صادراتها المحتملة، أما بالنسبة لمستوى التوظيفات المالية والتي تقدر بالنسبة للفئة المنتجة للبترول بحوالي ثلاث تريليون دولار فإن الخسارة قدرت في المرحلة الأولى من الأزمة  بـ180 مليار دولار، أما بالنسبة للفئتين الأخريين فالتوظيفات المالية قليلة نسبيا وبالتالي فإن آثارها على هاتين الفئتين متواضعة، بل يحتمل أن تستفيد البورصات الآسيوية من هروب الأموال من الولايات المتحدة ومن أوروبا.
أما التأثير الثالث وقد يكون الأخطر، فهو استمرار ارتباط عملات الدول المنتجة للنفط بالدولار، حيث أن هذه العملة تعرف تذبذبات كبيرة في السوق، وستنعكس على عدم استقرار العملات العربية لدول الأوبك.
 
ـ كيف يمكن الإفادة من هذه الأزمة في النظام المالي الإسلامي؟
ـ عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.
 
 الإفادة الأولى من الأزمة الحالية هي أولا الاقتناع من خلال تكرار الأزمات المالية في العقدين الأخيرين بأن النظام الربوي لا يستطيع تحقيق الاستقرار في نظام السوق، وأن المنظرين لحرية السوق المطلقة إنما فعلوا ذلك خدمة لأرباب الرأسمال وليس خدمة للعلم والاقتصاد ككل، وأن أرباب الرأسمال المعنيين هم أصحاب الشركات الكبرى الذين دخلوا عالم السياسة لخدمة مصالحهم، وهم عائلة بوش ورؤساء مثل ريجن وتاتشر، وأن مستشاريهم الاقتصاديين هم ملتون فريدمان وفريديريك هييك وجيمس بوكانان وكلهم حازوا على جائزة نوبل للاقتصاد، في حين وقع تغييب اقتصاديين آخرين أكثر اعتدالا مثل موريس آلي الذي قضى عشرين سنة من حياته في البحث عن أسباب استقرار النظام المالي الغربي فوجدها في توفر عنصرين أساسيين:
ـ أن يكون النظام الضريبي مبنيا أساسا على نسبة عامة من الضريبة لا تتجاوز 2 بالمائة من الدخل.
ـ وأن تكون نسبة الفائدة في السوق قريبة من الصفر.
وشاء القدر أن يكون الشرطان المؤسسان للنظام الاقتصادي الإسلامي من حيث نسبة الفائدة الصفر، ونسبة الزكاة 2,5 بالمائة،
إلا أن الأوساط الاقتصادية لم تهتم بهذا الاقتصادي رغم حصوله على جائزة نوبل بسبب أفكاره التي لا تخدم مباشرة الشركات الكبرى.
 
 والإفادة الثانية أنه أيا كانت القوة الاقتصادية أو المالية لدولة ما فلا بد أن يعتمد اقتصادها على مبدأ اللاتبعية لأي اقتصاد آخر، فارتباط عملات دول الخليج مثلا بالدولار تبعية لا مبرر لها من الوجهة الاقتصادية، وضعف الاستثمارات الخليجية في القطاعات الغذائية في دول مثل السودان لتلبية الحاجات الضرورية لهذه الدول واضطرارها لتلبية حاجاتها أساسا من الغرب تبعية، وشراؤها بملايين الدولارات للأسلحة تبعية عوض الاستثمار في التكنولوجيا على المستوى العربي لبناء اقتصاد عسكري ومدني متفوق وعوض الاستثمار في العمارات والمشاريع السياحية، فاقتصاد الدول العربية مرتبط أساسا بالسوق الأمريكية والأوروبية بينما اقتصاد الدول الآسيوية مرتبط أولا بالتجارة البينية داخل هذه السوق وبالتكنولوجيا والبحث العلمي.
 
الإفادة الثالثة تخص الدول الأكثر فقرا والتي تعتمد على المساعدات الخارجية، فبعد انخفاض هذه المساعدات إلى أقل من 1بالمائة من دخل الدول الغنية صرحت السلطات الأمريكية بأن على الدول الفقيرة أن تعتمد على نفسها وأن هذه المساعدات آيلة إلى مزيد من التقلص، وهذا يعني أن الدول التي تعيش على المساعدات بعد 50 أو 40 سنة من استقلالها لا تستحق أنظمتها الدعم، وأن هذه الأنظمة أما أن تحسن من تسييرها أو أن تزول وتترك الباب لحكومات أكثر وطنية، وإلا ستعرف اضطرابات اجتماعية لا مثيل لها، وفي آن واحد يمكن القول إن تقليص الدعم فيه تقليص للنفوذ الخارجي، وبالتالي هو على المدى المتوسط في مصلحة هذه الدول.
 
ـ يدرج بعض المحللين الأزمة الحالية ضمن نظرية المؤامرة، هل تعتقدون ذلك، ومن يحتمل أن تكون الأيدي الخفية وراء ذلك؟
ـ  إذا كانت هناك حقيقة مؤامرة فهي مؤامرة منفذي تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، لأن الأزمة الاقتصادية الحالية انطلقت بدايتها بعد ذلك التاريخ عام 2001، ولا شك أن أصحاب هذه الضربة قصدوا فعلا ضرب الاقتصاد الأمريكي في أحد رموز قوته، على اعتبار أن أمريكا لا يمكن هزمها عسكريا ولكن بالإمكان هزمها اقتصاديا، لأن قوة اقتصادها مبنية أساسا على روح معنوية مرتفعة وإن مست هذه الروح المعنوية خرجت رؤوس الأموال من أمريكا وبحثت عن مناطق أخرى للانزواء، ما يسبب انهيار البورصات وبالتالي انهيار الصرح المالي الذي تعتمد عليه الشركات الكبرى. فما وقع بعد ضربة الحادي عشر من سبتمبر أنه حصلت حالة من الانهيار النفسي لدى الشعب الأمريكي نتج عنها انخفاض عام في الاستهلاك في الولايات المتحدة الأمريكية، وانخفاض كبير في القروض الاستهلاكية ما دفع البنوك الأمريكية إلى البحث عن وسائل أخرى لتعويض الخسارة الناتجة عن هذا الانخفاض، فظهر أن الحل الوحيد هو التوجه إلى الفئات الفقيرة الأقل استعمالا للقروض الاستهلاكية، وظهر أن قروض السكن يمكنها أن تلعب هذا الدور بالنظر إلى حاجات هذه الفئة لذلك، ولإقناع هذه الفئة بالولوج إلى هذه القروض قامت البنوك الكبرى باقتراح أسلوب جديد للقروض السكنية انطلاقا من نسب فائدة متحركة، تكون النسبة فيها 1 بالمائة في السنة الأولى و2 بالمائة في السنة الثانية إلى أن تصل الفائدة بعد بضع سنوات إلى 8 بالمائة. بالإضافة إلى حملة دعاية كبيرة لإقناع هذه الفئات التي قدرت بمليوني عائلة بتبني هذه القروض، كما حرصت البنوك في عقود البيع على التأكيد على أن المسكن المشترى يبقى في ملك البنك كاملا حتى يتم سداد القرض، وحيث أن الكل كان يراهن على ارتفاع أسعار العقار ولا أحد كان يراهن على استحالة سداد القروض بعد ارتفاع نسبة الفائدة بعد بضع سنوات وارتفاع كلفة المعيشة بعد ارتفاع أسعار البترول والمواد الغذائية، فوجدت العائلات الأمريكية نفسها في حالة اختيار اضطراري بين سداد القروض أو نفقات الغذاء فاختارت الخيار الثاني، مما جعل البنوك تضطر لاسترجاع المنازل وعرضها للبيع في فترة واحدة مما سبب انهيار الأسعار، وبالتالي تقلصت سيولة البنوك وحصل الانهيار، وهكذا ظهر أن  أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت تحمل في طياتها قنابل موقوتة أدى انفجارها بعد سبع سنوات إلى كارثة اقتصادية أمريكية ثم عالمية لا مثيل لها.
 
ـ هل كانت الأموال العربية هي الأكثر تضررا من هذه الأزمة؟
ـ لا أعتقد ذلك، حتى وإن كان تقييم الأحداث سابقا لأوانه، إلا أنه بحسب عدد سكان دول الخليج فالخسارة المباشرة لا تتجاوز 10 آلاف دولار للشخص الواحد، أي حوالي ربع دخل الفرد السنوي بالإضافة إلى الخسارة السياسية المتمثلة في الضعف، ولو المؤقت، لحليف كبير لهذه الدول.
 
هذا بالإضافة إلى أن الخسارة سجلت أساسا في القطاع الخاص الذي يستثمر جزءا من أمواله في الأسواق المالية الأمريكية والأوروبية بينما سجل القطاع العام أرباحا كبيرة بسبب ارتفاع ثمن البترول، ومن المتوقع أن تستمر الضغوط على الدول العربية الغنية لشراء المزيد من الأسلحة عن طريق استمرار استعمال ورقة التخويف من إيران.
 
 ولا شك أن القطاع السياحي في العالم العربي سيكون من أكبر القطاعات تضررا من الأزمة الحالية، سواء عن طريق انخفاض عدد السواح من أمريكا وأوروبا أو بسبب تقلص مبيعات المحلات السياحية خصوصا منها الفاخرة لأغنياء أوروبا وأمريكا.
 
ـ هل النظام الربوي الذي بني عليه الاقتصاد الليبرالي هو العنصر الرئيسي في الأزمة الحالية؟
ـ  لا شك في ذلك، بدليل الحجج العلمية التي ذكرتها سابقا من خلال منطلق الأزمة بسبب نظام الفائدة المتحركة، ومن خلال نظريات غربية ومنها نظرية موريس آلي الذي يعتبر نظام الفائدة السبب الرئيسي، مع نظام الضرائب المرتفعة، في عدم استقرار النظام المالي.
 
 أما إذا أضفنا كمسلمين الجدد الإلهية في القرآن الكريم التي تعتبر المعاملات الربوية من الكبائر وتتوعد الإنسان بأكبر العقوبات في قوله تعالى"يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ"، قال ابن خويز منداد المالكي :( ولو أن أهل بلد اصطلحوا على الربا كانوا مرتدين ، والحكم فيهم حكم الردة ، وإن لم يكن استحلالا جاز للإمام محاربتهم، ألا ترى أن الله قد أذن بذلك، فقال:"فأذنوا بحرب من الله ورسوله"). وهناك حجة أخرى يمكن إضافتها، فقد اعترف خبراء صندوق النقد الدولي في دراستين حول البنوك الإسلامية، الأولى عام 1987 والثانية في بداية الألفية الثالثة، أن النظام الإسلامي المبني على المشاركة (أي المعاملات اللاربوية) أكثر توازنا واستقرارا من النظام البنكي المبني على الفائدة.
 
ـ ما هي توقعاتك بخصوص المستقبل بخصوص هذه الأزمة؟
ـ هناك عنصران أساسيان سيتحكمان في صيرورة الاقتصاد مستقبلا: عنصر الطاقة بسبب ارتفاع الاستهلاك وتقلص الموارد، وعنصر الماء بسبب الاحتباس الحراري وارتفاع عدد السكان في العالم.
 والدول العربية ستكون الضحية الأولى لانخفاض احتياطاتها من الطاقة وارتفاع حاجياتها من المياه، وهذا معناه أنها ستكون مضطرة لسلوك طريقتين إجباريتين:
 أولا تغيير أنماط الاستهلاك العام من الطاقة والماء بشكل أكثر اقتصادا.
 وثانيا الاستثمار من الآن في البحث العلمي لتهيئ الطاقات البديلة وتنمية طرق اقتصادية لاستغلال الماء وتوفيره.
 وكما قال صحفي أمريكي بارز هو توماس فريدمان من النيويورك تايمز إن أمام العرب طريقا وحيدة مستقبلا هي الاستثمار في الطاقة الوحيدة المتجددة، وهي الطاقة العلمية.
 ومادام المسئولون العرب لحد الآن غافلين عن هذا الاتجاه في الوقت الذي يتباكون فيه من قوة إيران العسكرية، ويعتقدون أن بناء العمارات السكنية والسياحية وتوظيف الأموال في الغرب هو أحسن استثمار، فإن المستقبل يبقى قاتما لأن أزمة واحدة كبيرة قد لا تكن كفيلة بتغيير نمط سلوكي ينقصه في آن واحد الوازع الديني الأخلاقي من جهة والوازع الفكري العلمي من جهة ثانية.
 
ـ قبل عشر سنوات تقريبا اقترح رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد اعتماد الدول الإسلامية على نظام الدينار الذهبي والدرهم الفضي كعملتين للدول الإسلامية، وقال إن الذهب حينئذ لن يخسر أبدا، كيف ترون المسألة اليوم؟
ـ  فكرة رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد صحيحة من الناحية النظرية إلا أنها غير قابلة للتطبيق عمليا لسببين:
 السبب الأول لأن استعمالها كعملة معناه ضرورة توفر كميات ضخمة من هاذين المعدنين، إضافة إلى ضرورة الرفع من حجمهما سنويا تماشيا مع ارتفاع الدخل في الدول الإسلامية، والكميات المستخرجة والمتوفرة لدى الدول عامة والدول الإسلامية خاصة ليست بالحجم ولا بالمرونة في الإنتاج بحيث يسمح بتبنيهما كعملات، وحتى لو استعملت كرصيد لتغطية قيمة العملات في الدول الإسلامية فهذا الرصيد لن يكفي لتغطية حجم الكتلة النقدية المتداولة.
 
 أما السبب الثاني فيمكن استنباطه من تجربة مصر في هذا المجال، فقد تبنت مصر في القرن العاشر والحادي عشر الميلاديين التعامل بالدينار الذهبي والدرهم الفضي، إلا أن كون هذه العملات من المعادن النفيسة دفع الناس إلى كنزها، والاكتفاء باستعمال الفلس المطبوع من النحاس في المعاملات، وكان للمؤرخ المصري الكبير والعالم الاقتصادي المقريزي الفضل، من خلال هذه الظاهرة، في اكتشاف قانون اقتصادي اسمه"العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق"، وسمي خطأ بقانون كريشام، وهو اسم اقتصادي انجليزي عاش في القرن السادس عشر ميلادية، أي حوالي ستين سنة بعد وفاة المقريزي الذي توفي عام 1445.