الكتاب: مستقبل الإسلام في الغرب والشرق
14 ذو الحجه 1429
منذر الأسعد




تأليف: مراد هوفمان-عبد المجيد الشرفي

ترجمة: إبراهيم يحيى الشهابي

الناشر: دار الفكر بدمشق -2008م

 280 صفحة (مقاس:20*14سم)

 

يأتي هذا الكتاب كحلقة من الإصدارات التي تنشرها دار الفكر في سلسلتها التي تحمل عنوان:حوارات لقرن جديد،والتي تعرض في كل كتاب وجهتيْ نظر متباينتين لشخصين مختلفين،ويبدأ الكتاب ببحث لكل من المؤلفَيْن،يليهما تعقيب الثاني على الأول فتعقيب الأول على الثاني.

وقضية الكتاب الذي نعرضه هنا-كما يدل عليها عنوانه-تتناول استقراء مستقبل الإسلام في العالم في الوقت الحاضر وفي المدَيَيْن: المنظور والمتوسط ،وهل معرفة هذا المستقبل من الغيوب التي استأثر الله عز وجل بها،أم إنها ظاهرة تخضع للدراسة الموضوعية،أم إنها بحث يقوم على أحاديث نبوية حول إقبال هذا الدين أو إدباره.

وقبل استطلاع محتويات الكتاب، ينبغي التنبيه إلى هوية الكاتِبَيْن، فالشرفي شيوعي ثم تغريبي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ،وقد شغل منصب وزير التعليم في تونس فأسهم في تغريب مناهجها واستئصال المواد الشرعية واللغوية العربية منها،تحت شعار الاستبداد هناك:تجفيف منابع ما يسمونه:الإرهاب،ويعنون به قطعيات الإسلام وثوابته.أما هوفمان فهو دبلوماسي ألماني متقاعد، كان كاثوليكياً قبل أن يهديه الله إلى الإسلام في عام 1980م.

من هنا تناقض الرجلان في رؤيتيهما، فهوفمان الهارب من إسراف بني جلدته في ماديتهم والفارّ من خرافات الكنيسة، ينطلق من إيمانه بأن الإسلام هو الوحي الإلهي الذي حفظه الله من التحريف،ومن ثقة بمستقبله الزاهر إذا تخلى الغرب عن موروث الحقد القديم والمقيم،وإذا تغلب المسلمون-ولا سيما الغربيون منهم والمقيمون في الغرب- على تقصيرهم وعوامل تخلفهم،وعرفوا كيف يقدمون دينهم على حقيقته وبأسلوب واعٍ ومتبصر.

أما الشرفي فيسعى إلى تشويه الإسلام لتقديم نسخة مزيفة منه،قوامها علمنة الإسلام بحسب التمرد الأوروبي على تسلط الكنيسة، وهو تمرد أفضى إلى حصر الدين في نطاق فردي طقوسي محض،انتقاماً من استبداد رجال الدين هناك في القرون الوسطى ومن عدائهم للعلم،وإلزاماً لهم بما نسبوه بأنفسهم قبل قرون إلى المسيح عليه السلام:دع ما لله لله،وما لقيصر لقيصر!!

ولأن الشرفي يدرك حجم تهافت منطقه،فإنه لا يجهر بقناعاته الفعلية وإنما يعرضها بصورة التفافية مخادعة.فهو لا يؤمن أن القرآن كلام الله سبحانه،لكنه يصوغ هراءه هذا بادعاء أن بعض المسلمين القدماء قالوا بأن الوحي نزل  بالقرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمعنى،وأن النبي صاغه بعباراته البشرية(بلا تحديد من هم هؤلاء ولا توثيق لأسطورته التي لا أصل لها إلا في خياله الشاطح!!) علماً بأن نصوص القرآن صريحة في أن القرآن كلام الله وأن الله تبارك وتعالى تحدى بها الثقلين!!أما السنة النبوية المطهرة فيرفضها الشرفي بذريعة الاكتفاء بالقرآن الذي أنكر مصدره الإلهي!!ثم يصدع بما أخفاه طويلاً،فيرى أن المسلمين يسيئون فهم مصطلح ختم النبوة،ويقدم بديلاً هزلياً إذ يزعم أن ختم النبوة يعني أن البشرية وصلت مرحلة الرشد التي تغنيها عن الوحي السماوي،باستثناء بقايا طقوس يسمح بها مزاجه،وبعض مكارم الأخلاق التي ينسفها في مواقع أخرى من الكتاب،حيث يجعل القيم الغربية هي القيم الإنسانية الأجدر بإنسان اليوم!!

ولا يقف هذا التغريبي الفظ عند حدود الموبقات المذكورة،فهو يريد تنقيح هيئات الصلاة ومواعيد الصيام وأنصبة الزكاة!!

ومن المفارقات أن يكون بحث هوفمان علمياً موضوعياً،سواء في تعريته الواقع الغربي المنحدر،أم في تقريعه المسلمين بسبب تقاعسهم وسوء تصرفهم ،وعدم التزامهم قيم دينهم في كثير من الأحيان.كما اتسم تعقيب مراد هوفمان على تحريفات الشرفي بالسداد جملة،وبالحجة الناصعة،من خلال حرص ملموس على النزاهة والأمانة،وعبر استيعاب طيب للأدلة الشرعية،وقراءة رصينة للتاريخ الإنساني،تبرهن بكل حسم على فرادة الإسلام ومزاياه الجمة.