د. إبراهيم غانم الخبير بالشؤون التركية: تحركات إردوغان منحت المقاومة غطاءً سياسياً دولياً.. الدبلوماسية التركية اكتسبت ثقة حماس
26 محرم 1430
همام عبدالمعبود

في حوار خاص لموقع "المسلم"؛ قال الدكتور إبراهيم غانم؛ أستاذ م. العلوم السياسية، ورئيس قسم الرأي العام بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بمصر أن جولات وتحركات رئيس الوزراء التركي ومستشاره أمنا غطاء سياسياً للمقاومة.

واعتبر غانم أن الدبلوماسية التركية ترتكن إلى أهمية الورقة التركية التي تقوم على أساس إقناع حماس بقبول وجود قوات دولية في غزة، على أن تكون هذه القوات تركية، انطلاقا من أن تركيا عضو منتخب بمجلس الأمن منذ الأول من يناير الجاري 2009م"، مشيرًا إلى أن "حركة المقاومة الإسلامية حماس صرحت أكثر من مرة، على لسان قادتها، أنها تثق في تركيا، وتأتمنها بدون تردد، في عرض مطالبها، وطرح وجهة نظرها في مجلس الأمن".

 

نص الحوار:

 

لماذا لجأت مصر للدبلوماسية التركية، للتوسط لدى "إسرائيل" لوقف الحرب على غزة؟ بينما هي تصر على المحافظة على علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بحجة الإبقاء على قناة اتصال للتفاوض مع الجانب "الإسرائيلي" لحل القضية الفلسطينية؟

أوقات الأزمات يحكمها منطق مختلف عن المنطق الذي يحكم حالات السلم، وما حدث في غزة كان حرباً عدوانية همجية شنتها قوات الاحتلال الصهيوني، وهذه الحرب تمس أطرافاً متعددة.

فهناك أزمة إقليمية مركبة، يشترك فيها أطراف متعددة، وهذه الأطراف لها مصالح متعارضة.

وعليه فإن مصر تحركت باتجاه تركيا لأسباب متعددة منها على سبيل المثال:-

1ـ أن تركيا لها علاقات وثيقة بـ"إسرائيل": وهي علاقات أقدم وأوثق وأوسع من أي دولة عربية؛ فتركيا ثالث أقدم دولة اعترفت بـ"إسرائيل"، عام 1949م، كما أن هناك تمثيل دبلوماسي، وقنصلي على مستوى عال بين الدولتين، وهناك تبادل تجاري كبير بينهما.

2ـ أن تركيا بحكم هذه العلاقة الوثيقة مع "إسرائيل"، ووفق المنطق المصري، تستطيع ممارسة ضغوط حقيقية على "إسرائيل" لوقف الحرب على غزة.

3ـ أن تركيا قوة إقليمية كبرى، في وزن مصر، ومصر في هذا المرحلة لم تر أن هناك قوة يمكن الثقة فيها من بين البلدان العربية.

هذا من حيث الأسباب التي دفعت مصر للتفكير في اللجوء إلى الدبلوماسية التركية للتوسط لدى "إسرائيل"، أما عن تقيم هذه الخطوة والحديث عن مدى صحتها أو خطئها، جدواها أو عدم جدواها، وهل هي منجزة أم غير منجزة، ..... إلخ؛ فهذا أمر آخر.

 

إضافة إلى هذه الأسباب التي تفضلت بها؛ هناك من يرى أن مصر لجأت لتركيا لأنها استطاعت أن تقرأ المشهد قراءة صحيحة، فعلمت أن تركيا الجديدة بوجهها الإسلامي المتمثل في حزب العدالة والتنمية الحاكم ذي الجذور الإسلامية، هو الأنسب لإقناع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بالمبادرة المصرية.. فما تعليقكم على هذه الرؤية؟

أيضا رؤية لها وجاهتها؛ وهي جزء من الحسابات، خاصة أن حركة "حماس" صرحت أنها تثق في تركيا وتأتمنها بدون تردد في عرض مطالبها، وطرح وجهة نظرها في مجلس الأمن.

 

وما هي في تقديرك أهم نتائج الجولة المكوكية لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته، وما حققته هذه التحركات الدبلوماسية؟

لاشك أن هذه الجولة الأردوغانية قد أثمرت أشياء كثيرة، لعل في مقدمتها أنها ساعدت في بلورة أفكار متوازنة؛ تحافظ على الحق الفلسطيني، وتدعم المقاومة المشروعة، في مقاومة المعتدي والمحتل، وقد اتضح هذا من التصريحات القوية التي أدلى بها طيب أردوغان، وكبير مستشاريه أحمد أوغلو، والتي وفرت غطاءً سياسيًا لقوى المقاومة الفلسطينية.

 

وما هي في تقديركم الورقة الأهم التي كانت تراهن عليها الدبلوماسية التركية أثناء الحرب، والتي ربما تكون هي كلمة السر في حل المشكلة سياسيًا؟

العنصر الأساسي التي حاولت أن تسهم به تركيا في حل إقناع الطرفين بقبول المبادرة المصرية، والتي حاولت أن تجعل به المبادرة موافقة للحد الأدنى لطموح حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، هو تقديمها "سر الحل" الذي يمكن أن تقبله الأطراف الداعمة للكيان الصهيوني، وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.

فهؤلاء جميعًا مصممون على وجود قوات دولية في غزة، وحماس تغلظ بأعظم الأيمان أنها لن تقبل وجود قوات دولية، وأنها ستعتبرها قوات احتلال، وستتعامل معها وفق هذه الرؤية، وفي نفس الوقت تشترط دولة الاحتلال وجود قوات دولية، وهنا يكمن الحل التركي، وتأتي أهمية الورقة التركية والتي تقوم على أساس إقناع حماس بقبول وجود قوات دولية على أن تكون هذه القوات تركية!

وحماس وكل فصائل المقاومة تنظر إلى تركيا حكومة وشعبًا، على أنهم مسلمون ينتمون لدولة مستقلة احترمت نفسها فاحترمها الآخرون، من الأعداء قبل الأصدقاء، كما أنهم يشاهدون هذه المظاهرات الغاضبة التي لا يكاد يخلو منها الشارع التركي منذ اندلاع الحرب على غزة، وهي مشاعر هزت العالم أجمع، فضلا عن أن الأتراك لهم في التاريخ الإسلامي وجود تاريخي لا ينسى.

 

ولكن ما تفسيركم لطول فترة الحرب على غزة؟!

هذا أكبر دليل على أن "إسرائيل" أفلست عسكريًا، كما أفلست بنوك أمريكا وأوربا، ولهذا فهي كانت تقصف بجنون، وبطريقة تعكس حالة الهلع التي يعيشها المجتمع "الإسرائيلي"، تقصف قصفًا عشوائيًا، فتقتل المدنيين، والأطفال والنساء، تقصف المستشفيات فتقتل المرضى، تقصف مخازن الأدوية والطعام التابعة لهيئة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" التابعة للأمم المتحدة، تقصف فتدمر البيوت والمنازل والمدارس، حتى بيوت الله لم تسلم من قصف آلة الحرب الصهيونية!!

وهنا أود أن أوضح انه كلما طال أمد الحرب البرية كلما تجذرت المقاومة وقويت، وكلما انهارت قوات الاحتلال، فمعايير الهزيمة والنصر لا تحسب وفقًا لحجم الخسائر البشرية أو المادية فقط بل إن الأهم فيها هو حجم الخسائر المعنوية، وقد تحدثت تقارير مترجمة نقلا عن صحف عبرية أن جنود الاحتلال المشاركين في الحرب البرية يلبسون (بمبرز) لمنع آثار البلل الناتج عن الهلع والخوف الذي يصيبهم عند مواجهة المقاومة.

 

وهل كان ممكناً لـ"إسرائيل" القضاء على المقاومة الفلسطينية؟

أقولها بكل ثقة أنه لم يحدث أن هزمت قوات احتلال قوات المقاومة المسلحة، والتاريخ البشري خير شاهد على ذلك، انظر كيف استطاعت المقاومة الشعبية في ليبيا بقيادة المجاهد عمر المختار أن تطرد الاحتلال الإيطالي لليبيا، بعد سنوات طويلة من الاحتلال والقتل والتشريد والإبادة، وكيف استطاعت المقاومة الشعبية في الجزائر بقيادة المجاهد عبد القادر الجزائري أن تطرد الاحتلال الفرنسي بعد سنوات طوال من الاحتلال، ...............إلخ.

وفي العصر الحديث؛ مازلنا نشاهد كيف عجزت الولايات المتحدة الأمريكية – أكبر قوة عسكرية في العالم- تساندها قوى البغي البريطاني أن تكسر إرادة مقاومة الشعب الأفغاني بقيادة حركة طالبان، فضلا عن هذه السطور المشرفة التي تسطرها قوى وفصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة "حماس" في جهادها ضد قوات الاحتلال الصهيوني المدعومة عسكرية بترسانة عسكرية متطورة، وسياسيًا بحق النقض الأمريكي "الفيتو" في ردهات الأمم المتحدة!