
طائرتان بدون طيار قامتا بإطلاق صواريخهما على مواقع باكستانية في الوقت ذاته الذي أدى فيه الرئيس أوباما القسم الدستوري وهو ما يوضح نوايا الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه باكستان ـ لن يكون هناك إحترام لأي بند من بنود القانون الدولي في هذا الجزء من العالم. وهذا يوضح الازدواجية المفرطة في تاريخ الولايات المتحدة والمتجذرة في قيمها التي يكثر التشدق بها! لهذا فإن الوقت قد أزف لكي يدرك قادة باكستان ويقبلوا بالحقائق القائمة على أرض الواقع وأن يقوموا بتشكيل سياساتهم أو لنقل ردود أفعالهم بما يتطابق وهذه الحقائق.
يجب عليهم القبول بحقيقة أنه لا يوجد ما هو إيجابي لباكستان لدى أوباما. بل على النقيض من ذلك وبعد هجمات الطائرات بدون طيار والتي لا تتوقف، فإن اوباما قام بالإشارة إلى إسم هولبروك الذي عينه كمبعوثه الخاص لكل من أفغانستان وباكستان، وأعلن عن اقتطاع جزء كبير من فاتورة الخدمات العسكرية التي يقدمها الجيش الباكستاني للقوات الأمريكية والتي تعتبر من حق القوات الباكستانية لقاء الخدمات اللوجستية التي تقدمها باكستان لقوات الجيش الأمريكي وحلف الناتو في أفغانستان.
وكيف كانت طبيعة رد الفعل الباكستاني على تحركاته تلك؟ رحبت باكستان بتعيين هولبروك بدون أن تتطلع على سجله "الناصع". أما فيما يتعلق بقطع جزء هام من الأموال، فإن باكستان قالت أنها سترسل توسلاً لواشنطن لكي لا تجري هذا القطع وكأن المفاصلة على ثمن ما يقدمه الجيش الباكستاني من خدمات جزء لا يتجزأ من الصفقة المبرمة بين الطرفين بشأنها. مثل ردود الفعل هذه لا تتناسب وكون باكستان قوة نووية ذات سيادة!
فالاجدر ان تقوم القيادتين السياسية والعسكرية في باكستان بإبداء نوع ولو ضئيل من الوقار القومي وإحترام الذات. لقد حان الوقت لكي يتوقف الجيش الباكستاني عن التصرف وكأنه قوات مرتزقة تعمل في خدمة الولايات المتحدة لحسابها. إن الثمن الذي تدفعه باكستان لهذه العلاقة مع واشنطن باهظ جداً، ليس في مجال الأموال وحسب، ولكن إجتماعياً وسياسياً كذلك. هذه فرصة أمام باكستان لكي تستعيد قواعدها الجوية وأن تطلب من الولايات المتحدة أن تبحث عن طريق آخر لإدخال المؤن والمعدات لقواتها ولقوات حلف الناتو المتمركزة في أفغانستان. حيث أن عبور هذه المؤن والمساعدات عبر باكستان كان سبباً رئيسياً في أحداث العنف واوضاع عدم الاستقرار بمدينة بيشاور وما وراءها.
إن إقتطاع جزء من مقدار فاتورة "الخدمات" الباكستانية ليس المؤشر الرئيسي على سياسات فريق أوباما ـ بيدن. لقد بدأ بيدن الذي يوصف بأنه صديق لهذا البلد في زيادة حدة نبرة صوته ضد باكستان بوجود هذا النوع من القادة الحاليين لباكستان ومن سبقهم في سدة الحكم والذين يتسمون بالذلة. نبرته الحادة والعدائية تجاه باكستان إتضحت من خلال المقابلة التي أجرتها معه قناة CBS بتاريخ 25 يناير والتي كرر فيها الإشارة إلى وجهة نظر أوباما خلال حملته الانتخابية والقائلة بأن الولايات المتحدة سترسل قواتها إلى داخل الأراضي الباكستانية إن كانت هناك أهداف عملياتية فيها. ولكي يوضح الكيفية التي تنظر من خلالها واشنطن إلى سيادة باكستان فإنه رفض الإجابة على سؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستطلع حكومة باكستان قبل أن يقوم الجنود الأمريكيون بعبور الحدود الأفغانية إلى داخل أراضيها. ما أوضحه بيدن هو أنه يتنبأ بسقوط قتلى بأعداد كبيرة بين صفوف القوات الأمريكية التي من المقرر ان تغزو باكستان، وهذا يعني أن لدى الإدارة الأمريكية مخططات جاهزة لغزو أراضي باكستان ولعبور الحدود الدولية الفاصلة بينها وبين أفغانستان.
أما فيما يتعلق بهولبروك، فإنه من المفيد تذكر أن معاهدة دايتون لم توضع موضع التنفيذ إلا عندما حلت قوات حلف الناتو مكان الأمم المتحدة في البوسنة والهرسك وظل الإعتداء المسلح منصباً فوق رؤوس البوسنيين من جانب إرهابيي الصرب لإرغام الضحية على القبول بدولة البوسنة المجزءة. لقد شارك هولبروك في مؤتمر عقد في كازخستان قبل عدة سنوات مضت وبرفقته ريتشارد بيرل منظر المحافظين الجدد. وكانت المفاجاة تطابق وجهات نظرهما حيال العالم الإسلامي بصورة عامة وحيال ما كانت تقوم به الولايات المتحدة في أفغانستان بعد 11/9. وإذا ما علمنا أن هولبروك كان كبير المستشارين السياسيين لهيلاري كلنتون في حملتها الانتخابية، فإنه يمكن بسهولة معرفة الأصول التي ينتمي إليها. فقد حافظت هيلاري على دعم منقطع النظير لحرب الولايات المتحدة في العراق إلى حين أصبحت هذه الحرب أقل شعبية في الولايات المتحدة.
كما أن هولبروك وبصفته سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، هو الذي ساعد إسرائيل في الحصول على عضوية التجمع الإقليمي الأوروبي مع الأمم الأخرى، لكي يكون بوسع إسرائيل من خلال ذلك الانضمام إلى اللجان الهامة ولكي تحصل على المزيد من المزايا والخدمات.
والمدهش في الامر أن سكوت رايتر مفتش الأسلحة الدولي في العراق (91-1998م) يشير إلى كيفية تمسك هولبروك خلال نقاش تلفزيوني في أكتوبر 2001م برفض قاطع لاستخدام الدبلوماسية في أفغانستان وفضل شن حملة عسكرية فقط في ذلك البلد. وبهذا فانه لن يكون النوع المناسب من الرجال لكي يتعاطى مع الحساسيات والأزمات التي تعاني منها باكستان!
إن الحقيقة الصعبة والدامغة في آن واحد هي أن الولايات المتحدة ستكون أكثر عدائية وبصفة متدرجة تجاه باكستان في المرحلة القادمة. ولهذا فإن الوقت حان وأصبحت التداعيات أكثر إلحاحاً لتغيير إتجاهات السياسية الباكستانية. باكستان بحاجة ماسة إلى إعادة التفاوض بشأن جميع أطر تعاونها مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وذلك على ضوء علاقة الشراكة الاستراتيجية الجديدة المنبثقة بين الهند والولايات المتحدة. يجب على باكستان أن تقوم بنفسها بالبحث عن الوسائل التي يمكنها من خلالها مواجهة الهجمات الجوية بدون أن تنتظر قدوم النوايا الحسنة من الولايات المتحدة.
لقد أعلن قائد سلاح الجو الباكستاني أن لدى قوته القدرات التقنية اللازمة لمواجهة الطائرات بدون طيار ولدى السلاح صواريخ بعيدة المدى أيضاً.. وقال ايضا ان السلاح لا يمكن ان يرد دون موافقة الحكومة سياسيا اولا وهي التي تمانع في هذا الرد! إذن لماذا لا تقوم باكستان بإستخدام هذه القدرات للدفاع عن نفسها وفوق أراضيها. و إذا كانت قيادة الجيش مهتمة بالدفاع عن التراب الوطني الباكستاني، فإن عليها أن توقف عملية تقاسم المعلومات الإستراتيجية بطريقة المرتزقة الذي تقوم به مع واشنطن؛ وان تقوم بإغلاق محطات وكالة الإستخبارات الأمريكية وأنشطة الجنود والعسكر في منطقة القبائل وبجيمع أنحاء باكستان الغربية . على باكستان أن تستعيد القواعد العسكرية التي منحتها للأمريكان وأن توقف الإمدادات لقوات الناتو. يجب القيام بهذه التحركات بصورة تصعيدية وعندها ستدرك باكستان مدى محدودية القدرات والرغبة الأمريكية للتحرك ضدها بدون أن يلحق الضرر بواشنطن اولا كما تنبأ بيدن. وأقل ما يمكن أن تقوم به باكستان كخطوة مبدئية هو أن تستدعي سفيرها لدى واشنطن بدعوى "التشاور" .
وفي هذه الأثناء ، فإن أفضل ما يمكن أن تقوم به باكستان هو إعادة النظر في سياستها الوطنية في وادي سوات و في منطقة القبائل. يجب عليها أن تسحب القوات العسكرية من هاتين المنطقتين وكذلك سب قوات الصاعقة وعناصر القوى الأمنية أو وضع هذه القوات تحت سيطرة الإدارات المدنية بغرب البلاد في إطار عمل سياسي للحوار. كما يجب على الحكومة أن تفرق بين المواجهات في وادي سوات وتلك الدائرة في مناطق القبائل لإختلاف المعطيات على الأرض. حيث أنه من الواضح أن سكان منطقة القبائل قد توحدوا مع مقاتلي حركة طالبان ومع من تدعي الحكومة بأنهم الأجانب فيها وآثروا الإبتعاد عن الحكومة بسبب السياسات الخاطئة التي تتبعها، ولأنهم ينظرون إلى الجيش على أنه يحارب نيابة عن الولايات المتحدة وكذلك كنتيجة حتمية لإستمرار الولايات المتحدة في الهجمات الجوية بإستخدام طائرات بدون طيار؛ والتي عملت على زيادة نطاق عمليات المسلحين وزادت من فرص تجنيد مقاتلين آخرين في صفوفهم.
أما في سوات فإن الدعم المبدئي للمولوي فضل الله الذي يقود الصراع المسلح ضد الحكومة جاء من السكان المحليين، أما بعد إراقة الدماء والهجمات على مدراس البنات وكذلك أعمال القتل بوحشية وقطع الأعضاء المنسوبة للمقاتلين، فإن العلاقة الراهنة بين المقاتلين في وادي سوات وبين سكان الوادي قائمة على الخوف من المقاتلين و على إنعدام الثقة بالقوات الحكومية، فهم يرون أن الجيش أخفق في الدفاع عنهم في وجه المقاتلين المسلحين المكونين من عناصر قادمة من خارج نطاق الوادي ، بل ويعتقد السكان أن منهم مجرمين وقطاع طرق وعاطلين عن العمل أو آخرين متضررين من الحرب التي تشنها قوات الحكومة ضد المقاتلين والسكان في تلك المناطق بدون تمييز؛ وكذلك الذين فقدوا أعزاء لديهم بسبب المواجهات. وما لم تقوم الحكومة الباكستانية بتقديم إجابات صادقة للعديد من الأسئلة التي تكشف أسباب النزاع في منطقة وادي سوات، فإنها لن تكون قادرة على إعادة السلام لربوع وادي سوات من خلال الحسم العسكري لوحده.