انتصارٌ للمسيح عليه السلام
2 ربيع الأول 1430
إبراهيم الأزرق

تناقلت بعض وكالات الأنباء في الأيام الماضية ما أعلنه اليهودي ليؤور شلاين عبر القناة "الإسرائيلية" العاشرة من قدح في المسيح عليه السلام، وأمه الطاهرة البتول. وليس ما أذيع بغريب على إخوان القردة والخنازير، ولا هو بالجديد في ملتهم واعتقادهم، بل هو مسطور في تلمودهم، معقودة عليه قلوبهم، وشواهده معروفة ميسور الوصول إليها لا داعي لتلويث المقالة بنقلها، وقد أخبرنا الله في القرآن بشيء من ذلك عنهم في نحو قوله سبحانه: (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً) [النساء: 156]، وبين في موضع: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم) [آل عمران: 59]، الذي يقر ذلك اليهودي بخلق الله له من غير أب أو أم، فكيف يعجب أو يهزأ من خلقه عيسى عليه السلام على مثاله! وهو يقر بخلق حواء من آدم!! وقتلة الأنبياء الذين آذوا موسى -عليه الصلاة والسلام- وهو رسولهم، لا يستغرب منهم أذى غيره، وما أكثره! وفي القرآن الكريم رد كثير منه.

 

لقد زعم ليؤور أن سبب ما أعلنه هو إنكار المسيحيين للمحرقة، فكأنه يقول إنكار بإنكار، وتكذيب بتكذيب، والبادئ أظلم! مع أن المحرقة لو هي كانت كما يقولون، وكان إنكارها كفراً لكان من السفه أن يقال كفر وهرطقة تجابه بكفر وهرطقة والبادئ أظلم! فكيف وبابا الكاثوليك أقر بالمحرقة واعتذر عن إنكارهم في التاريخ لها بل وصف إنكار المحرقة بأنه: "جريمة ضد الله والإنسانية"، وكل هذا لم يشفع له ولا للنصارى عند ليؤور شلاين –ولا عند اليهود الحاقدين- والذريعة المستغلة! أن الفاتيكان منح عفواً عن الأسقف ريتشارد ويليامسون الذي ينكر المحرقة بزعمهم.. فعمرك الله هل مثل هذا يسوِّغ ليؤور الطعن في المسيح عليه الصلاة والسلام؟!

 

إن إنكار المحرقة لو قدر أنه باطل، فهو كإنكار أي حدث تاريخي غايته أن يوصف صاحبه بالجهل، ومن الشطط أن نقول إن المنكر لحدث في التاريخ لم يثبت لديه يجب أن يعاقب، ما لم يتعلق ذلك الحدث بنفي نبوة أو جحد رسالة ثبتت معجزاتها وظهرت براهينها.
ثم إن اليهود تنكر من نبوة المسيح ومعجزاته ما هو أعظم من إنكار النصارى للمحرقة، مع أن النصارى يثبتون نبوة موسى عليه السلام، فكيف لم ير (ليؤور) وأمثاله هذا الإنكار –على مر التاريخ- جرماً ورأوا في إنكار حدث تاريخي يدعونه جرماً يستحق صاحبه أن تُزدرى معتقداته الأخرى!

 

بل كيف يحق ليؤور التفوه بما قال مع أنه لا يظهر أصلاً أن الأسقف ريتشارد ويليامسون ينكر أصل المحرقة بل كلامه بضد هذا، ولا يسع كثيراً من الناس أن ينكر أن أدولف هتلر قد قتل كثيرين يهوداً وغيرهم، لكن محل الشك عند ريتشارد وغيره من الموضوعيين في هذه القضية في هؤلاء القتلى هل يبلغ تعداد اليهود منهم ما يزعمه اليهود؟ أما قتل أفراد منهم بل جماعات فممكن بل صحيح وإن كانت لهتلر مسوغاته التي يراها معقولة، فما تنتظر من مثل هتلر إزاء طائفة ينتمي إليها جاسوس أو عميل أو مفسد يزعم أن عنصره فوق عناصر الشعوب نازيها وغيره؟! ولعل ما يُدَّعَى من قتل هتلر لكثير منهم أصله صحيح لكنهم بالغوا فيه وغالوا ونفخوه حتى انفجر وتبدد في أذهان الموضوعيين الذين لم تغرهم صور ورسوم يدعي هؤلاء اليهود –بلا بينة- إنها لآبائهم وأجدادهم! وإن صَدَقَ ذلك في قلةٍ منهم، فكيف والصور والأفلام لم تُحْصِ ربع عشر ستة ملايين جثة يزعم اليهود وجودها ثم يزعمون إنها ليهود!

 

ثم كيف يحق ليهودي يؤيد المحارق الواقعة بأيدي قومه في الشعوب الأخرى كمحرقة غزة وفلسطين أن يسخط إن شكك رجل في محرقة يُدعى وقوعها لأجيال من اليهود، مع إقراره بفظاعتها إن هي كانت؟! بل كيف له أن يسخط من هتلر نفسه، وقد اقتفى نموذجه المزعوم أولمرت ولينفني وبقية العصابة التي يؤيدها!
إن الجرم الذي وقع فيه ليؤور بازدرائه المسيح وتنقصه له ولأمه عليهما السلام عظيم عند أهل الإسلام لايسوغه شيء، بل تزيده محاولات التسويغ قبحاً، ولا يمحوه غير إنزال أشد النكال بالمعتدي على جناب عيسى النبي صلى الله عليه وسلم، بل ذلك الجرم العظيم لا يغسله اعتذار ولا تمحوه مياه البحار. والواجب على المسلمين أتباع محمد صلى الله عليه وسلم –فيما يقرره نظارهم ومحققوهم- إن هم قدروا الانتصار لنبي الله عيسى عليه السلام بإنزال النكال بهذا المستطيل الضال، وإن اعتذر وندم وأقلع، لأنه قد تعدى حقاً لله وحقاً للمسيح وحقاً للمسلمين لا يسقطه اعتذاره ولا يملك لا بابا الكاثوليك ولا كل النصارى إسقاطه.

 

وإن مما يستغرب اليوم ذلك الرد الباهت لكثير من النصارى الذين يزعمون إتباع المسيح عليه السلام وتعظيمه! وربما كان هذا حقاً فهم يعظمونه لكنه تعظيم لا يرضاه الله العظيم ولا يستحسنه العقل المستقيم، فبينما يرفعون المسيح إلى درجة الألوهية التي لا تنبغي لنبي مرسل ولا مَلَكٍ مقرب، إذا بردَّتهم فاترة على الإساءة له بما لا يرضاه أحدهم لنفسه ولا لأمه! وبينما يستطيل بعضهم على نبي الإسلام الذي علّم المسلمين تبجيل المسيح وأمه عليهما إسلام وإنزالهما منازلتهما اللائقة بهما، النائية عن السب والإقذاع، بل القاضية بالتبجيل والإكرام، إذا بهم يغضون على إساءة اليهود لرسول الله عيسى بن مريم ولأمه الصديقة.

 

إن هرطقة ليؤور شلاين وإن مرت مرور السلام عند النصارى فغاية مطالب كبيرهم في روما اعتذار! يجب أن لا تمر مرور السلام عند المسلمين، لأن اعتداءه ليس اعتداء على النصارى وحدهم، بل هو اعتداء على الله عز وجل، ونبيه المسيح عليه السلام، وتكذيب بنبينا صلى الله عليه وسلم، وإساءة لمليار مسلم، وقدح في محترم مبجل عندهم، لا تضاهي منزلته منزلة صحابي فضلاً عن خليفة أو ملك أو أمير، والانتصار لعيسى عليه السلام واجب على أهل الإسلام الذين يعتقدون بنزوله فيهم حكماً عدلاً آخر الزمان فهو منهم وهم منه وأولى الناس به صلى الله عليه وسلم عليه وعلى أمه.