
أكد الشيخ شبير أحمد منك، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بزيمبابوي، أن مأساة المسلمين هناك شديدة الوطأة، لا سيما خلال العهد الاستعماري، الذي تبنى حملات تصفية جسدية، وتهجير للمسلمين إلى البلاد المجاورة، بشكل حوّل زيمبابوي من دولة ذات أغلبية مسلمة إلى أقلية مستضعفة تعاني مشاكل عديدة.
وقال الشيخ شبير وفي حديث خاص لموقع "المسلم": إن أوضاع المسلمين في زيمبابوي قد بدأت في التحسن الطفيف بعد خروج الاحتلال؛ حيث تعاطت السلطات وأقرت قانونًا للحريات الدينية، يسمح للمسلمين بفتح مساجدهم وترميمها، بعد أن ظلت لسنوات مغلقة إبان العهد الاستعماري.
ولفت شبير الانتباه إلى أن الأوضاع الاقتصادية للمسلمين بالبلاد صعبة ومعقدة، وقد ألتحق عدد من وجهاء المسلمين بمهنة التجارة، وأنشأوا عدة مشروعاتٍ، أسهمت في التخفيف من حدة أزمة البطالة، فضلاً عن وجود مشروعات يرعاها رجال أعمال مسلمون آسيويون.
وبشر شبير بأن العمل الدعوي في زيمبابوي يحقق نجاحات، لا سيما في صفوف الوثنيين، الذين تتجاوز أعدادهم 7 ملايين نسمة، خاصة وأن هناك إقبالاً منهم على اعتناق الإسلام، رغم الإغراءات التي تقدمها لهم العديد من المنظمات التنصيرية، التي تنتشر في جهات عديدة بالبلاد.
مزيد من التفاصيل في نص الحوار:
* لا يدرك الكثيرون مأساة مسلمي زيمبابوي، الذين تحولوا من بلد ذات أغلبية مسلمة إلى أقلية مستضعفة.. فهلا أعطيتنا فكرة عن هذه المأساة؟
** تعد مأساة مسلمي زيمبابوي من أبشع المآسي التي مر بها معتنقو الدين الحنيف في وسط وجنوب إفريقيا؛ حيث عانوا طويلاً من جرائم الاستعمار البريطاني، الذي استمر ردحًا طويلاً من الزمان، حتى سطعت شمس الاستقلال في عام 1980م.
وقد واجه المسلمون في زيمبابوي أبشع صور الإذلال، حيث كانت قوات الاحتلال البريطاني تنظم حفلات قنصٍ ترفيهية للجنود، لقتل أكبر عدد من مسلمي زيمبابوي، وذلك بهدف تصفيتهم، وإبقاء البلاد حكرًا على معتنقي الدين المسيحي أو الوثنيين أو الأقلية البيضاء.
وقامت قوات الاحتلال كذلك بالسعي لإغلاق عدد من المساجد، بزعم إيوائها لمقاتلين مناوئين لهم، وهو الإغلاق الذي استمر لسنوات قبل الاستقلال، ولا يمكننا كذلك تجاهل ما عاناه مسلمو زيمبابوي من ممارسات عنصرية، على يد حكم الأقلية البيضاء، الذين أبقوا المسلمين أسرى، يعملون في مزارعهم بأجور بخسة، وظروف عمل قهرية، لا سيما في رودسي.
واستمر الاحتلال في ممارسة أبشع وسائل الحصار والتهميش ضد المسلمين، الذين تبلغ نسبتهم 3% من سكان زيمبابوي، البالغ تعدادهم 8 ملايين نسمة، يدين أكثر من 75% منهم بالوثنية، فيما تصل أعداد المسيحيين هناك إلى 23%، وعلى رأس هذه الوسائل قصر مؤسسات التعليم على البيض، وحرمان الأغلبية السوداء منه، وحظر التحاق أي طفل أسود بهذه المدارس، لدرجة أن 97% من مسلمي زيمبابوي يعانون من الأمية، وذلك بعد قيام الاستعمار بإلغاء أكثر من 900 مدرسة؛ نسبة كبيرة منها مدارس إسلامية، ناهيك عن الفقر والبطالة التي تحاصر أكثر من 60% من المسلمين طوال الحقبة الاستعمارية!.
حملات تصفية!
* وهل شهدت أوضاع المسلمين تحسنًا بعد خروج البريطانيين من زيمبابوي عام 1980م؟
** كان المسلمون في زيمبابوي يشكلون أغلبية ساحقة داخل زيمبابوي، لدرجة أنهم تعدوا الـ 7 ملايين مسلم، إلا أن هذا العدد تراجع بعد الاتفاقية التي وضعها مالك زيمبابوي مع الإنجليز، لاستغلال ثروات البلاد المعدنية، وهي الاتفاقية التي عارضها المسلمون بشكل كبير، أسهم في شن الاحتلال وأعوانه حملات تصفية وتهجير في صفوفهم، جعلت البعض يفر إلى جنوب أفريقيا وناميبيا وموزامبيق وغيرها لتلافي مصير محتوم.
غير أن هذه الأوضاع تغيرت بشكل شبه تام، بعد حصول زيمبابوي على استقلالها، حيث أعيد افتتاح المساجد التي أغلقها الاحتلال، في إطار قانون الحرية الدينية الذي أقرته الحكومات الوطنية بعد الاستقلال، وكذلك مئات من المدارس التي كان مصيرها مماثلاً لسابقتها، وشهدت زيمبابوي حركة تأليف وترجمة، فيما يتعلق بالكتب الدينية والمراجع، ونشطت مسيرة الدعوة إلى جميع بقاع زيمبابوي، وذلك لمعالجة وتطويق أحداث التمييز التي عانت منها طويلاً.
وأما على الصعيد الاقتصادي؛ فقد شهدت أوضاع المسلمين تحسنًا مطردًا؛ حيث استردوا عديدًا من المزارع التي نهبها البيض، وادعوا ملكيتهم لها دون أدنى حق، وقد أسهم هذا التطور في تحولهم إلى أصحاب أملاك بدلاً من عملهم كأجراء، بعدما عانوا طويلاً من الذل والقهر على يد الاستعمار وسدنته، إضافة إلى دخول الكثير منهم في معاملات تجارية، وهي المهنة التي كان الآسيويون قد احتكروها لمدة طويلة، فضلاً عن أن عددًا من رجال الأعمال الآسيويين المسلمين أنشأوا عددًا من المشروعات في مناطق المسلمين، أدت إلى استيعاب عمالة مسلمة وفيرة.
وكذلك لعبت المدارس الإسلامية الموجودة بكثرة في العديد من مدن زيمبابوي في إيجاد نوع من النهضة التعليمية والدينية في البلاد، وذلك بعد عقود من الظلام والجهل، التي فرضت على مواطني زيمبابوي، تحت نير الاحتلال، جعلتهم غير قادرين على توفير احتياجاتهم الأساسية والمعيشية.
** هناك عدة كليات إسلامية في البلاد، على رأسها كلية "دار العلم"، وكذلك توجد أقسام للغة العربية والعلوم الإسلامية في جامعة هيراري، حيث يدرس فيها خريجو المدارس الثانوية، فيما يتلقى عشرات من أبناء المسلمين منحًا دراسية لاستكمال تعليمهم الجامعي في العديد من الجامعات الإسلامية مثل الأزهر، وجامعات عديدة في سوريا والأردن والمملكة العربية السعودية، سعيًا لإيجاد نوع من النهضة الدينية التي تساهم في التصدي لمظاهر الانحلال التي تفشت إبان الحقبة الاستعمارية، وما أطلق عليه عصر السماوات المفتوحة، ومشاكل البث الفضائي، التي تحمل تأثيرًا بالغًا على المنظومة القيمية والأخلاقية لمسلمي زيمبابوي.
وتركز أنشطة هذه المنظمات على هذه الأوساط أملاً في تنصيرها، وهو ما يُواجه بقوة من قبل الوثنيين، فضلاً عن أن هناك دورًا دعويًا تقوم به الجمعيات الخيرية الإسلامية الموجودة في زيمبابوي، وعلى رأسها جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، ولجنة مسلمي إفريقيا، ورابطة العالم الإسلامي، وهي جهود تحظى بالقبول في أوساط الوثنيين الذي اعتنق الآلافُ منهم الإسلام، وذلك للقوة الروحية التي يملكها، فضلاً عن وجود توافق بين التقاليد التي تسود هذه القبائل وتعاليم الإسلام.
حيث تحث تعاليم الإسلام على احترام الكبير، والاعتراف بالفضل لأصحابه، والكرم والشهامة، وهي أمور أسهمت في اعتناق المئات للإسلام، لدرجة أن أكثر من 300 شخصٍ من الوثنيين، الذين ينتسبون إلى قبيلة الوارمبا، أعلنوا إسلامهم في يوم واحد، بعد سماعهم لإحدى خطب الجمعة، أما فيما يخص استهداف المسلمين بحملات التنصير فهو أمر ضعيف جدًا، وما زال بعدُ في مراحله الأولى.