أنت هنا

مؤتمر إعادة إعمار سويسرا !!
8 ربيع الأول 1430







غير صحيح أن شعوبنا العربية ساذجة، وأن عقلها الجمعي يعجز عن قراءة اللحظة؛ فكثير من التحليلات تعتبرهم أسبق فهماً من النخبة، وأكثر وعياً بالمرحلة وبمفردات الأزمة، والأقدر على تحليل الأحداث على نحو أكثر واقعية.

بعد أيام من وقف إطلاق النار في غزة (وقف العدوان العسكري والاستبقاء على الحصار والتجويع)، صدر تقرير عن أحد المواقع الممثلة لإحدى أهم الفضائيات العربية التي تتحدث بلغة واشنطن، يحاول أن يوحي بأن الشعوب العربية كانت أقل تفاعلاً مع العدوان على غزة (بالطبع لم يسمونه عدواناً)، وأن تلك الشعوب قد تبرعت بأموال أقل كثيراً مما حدث في أحداث سبقت منذ أعوام، ودللت بذلك على نجاح الأنظمة العربية في إيصال وجهة نظرها إلى شعوبها للحد الذي قلل ليس من أموال المساعدات وإنما أيضاً من التجاوب في الشارع عبر المظاهرات.

لن نجادل هذه الفضائية وموقعها في تهليلها للقمع العربي الذي نجح في إخماد أصوات المعترضين على المجزرة، وكبت الحريات الشعبية؛ فتلك مفخرة "ليبرالية" لها ولمشايعيها، لكن الأهم عندنا أن نقول أن تلك الشعوب بذكائها الفطري استبان لها أن الأموال التي سيتبرعون بها غالباً بل ما ستتجه إلى جيوب المنتفعين من أولئك المتسلطين على القضية الفلسطينية الآكلين من لحمها الشاربين من دمها؛ فزهد العارفون في التبرع إلا إلى جهات مأمونة يمكنها أن توصل هذه المساعدات لمن يستحقها من أبناء الشهداء، اليتامى والأرامل وغيرهم، والجرحى الذين فقدوا أطرافهم ودفعوا من مستقبلهم فداء دينهم وبلدهم المبارك.

وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قالت: "إن الإدارة الأمريكية ستعمل مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض من أجل إعادة إعمار غزة وإصلاح البنية التحتية مع وضع الضمانات اللازمة بأن الأموال ستستخدم فقط فيما نقرره ونضمن ألا تقع هذه الأموال في الأيدي الخطأ"، وهكذا تبعها الأتباع، لكن المهم أن الخطأ في عرف حليفة الإيباك واللوبي الصهيوني هو ذاته، الأيدي الخطأ في عرف العرب، وهم أصحاب الأيدي المتوضئة الطاهرة، والصواب ـ في عرفها ـ  كما هو معلوم هم أولئك الذين أثروا ثراء فاحشاً من التجارة بدماء الشهداء، والذين انكمشوا ساعة العدوان بل ساعدوه، ثم جاءوا كالغربان تقتات من الجيف في الحفر.. إنهم مناضلو الفنادق والقصور، الذين هم ضماناً لعدم ضياع الأموال فيما لا يفيد من إيواء مهجر في برد الشتاء القارص الذي اقترب في الأيام الماضيات من الصفر في غزة، ومعالجة من هم في أمس الحاجة لدواء أو عملية جراحية، أو أطفال طمست مدارسهم من مئات الأطنان من المتفجرات ألقيت عليها، سيدخرونها في حساباتهم الخاصة في بنوك سويسرا والتي بدورها ستستثمرها في تنمية منتجعاتها السياحية لينعم بها في النهاية أصحاب النضال المخملي العربي..

أأدركتم إذن، واضعي التقرير، لماذا أحجمت الشعوب عن "قنواتكم الشرعية" لأموال تعهدت أمريكا أن تصل معظم أموالها لدعم الأمن لدى عباس؟! أأدركتم كم كانت الشعوب أذكى منكم، فلم تقع في فخ دعم الفاسدين ومقاولي الأسمنت لمستوطنات القدس والجدار العازل؟! أعلمتم لماذا أنتم في واد، والشعوب في وادٍ آخر؛ فلتنفقوا أموالكم، ثم لتكون عليكم حسرة كما حصل حين ظللتم تدعمون جنود عباس وتسلحونهم بالأسلحة الأمريكية، حتى إذا كانت ساعة الحقيقة فروا كالجرذان، وأورث الله المقاومة مبانيهم وأجهزتهم وأسلحتهم؛ فكانت عليكم حسرة.. "والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون".