أنت هنا

ماذا خسر العالم الإسلامي بتحجيم الإغاثة الإسلامية؟!
10 ربيع الأول 1430

 

في القرآن الكريم عن اليهود: "يخربون بيوتهم بأيديهم".. والمؤسف أنه قد صارت هذه حالة كثير من الدول العربية والإسلامية التي تفتأ تقصر في ترميم بيتها حتى يعمد الغريب إليه فيهدمه.
وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر؛ فرضت الولايات المتحدة قراراتها على الدول العربية بإيقاف كثير من منظمات الإغاثة الإسلامية، واستجابت دول كثيرة لذلك، وبعضها اعتبر أن هذه المنظمات هي جزء من المعادلة الداخلية لديها فرفضتها بل ضخمت الأمر للحد الذي جعل هذه المنظمات تمثل لديها جهة عدائية، مع أنها على أسوأ الفروض لا تمثل أكثر من جزء من معارضة داخلية ـ إن صح الاعتبار الظني ـ يمكن احتواؤها ضمن الإطار الوطني المحلي على كل حال، وهي مع ذلك تقدم خدمات جليلة لا يمكن بحال إنكارها لا في الداخل العربي ولا في الخارج الإسلامي، وقد أثبتت كثير من الكوارث كالزلازل وغيرها كم كانت اليد الإسلامية المحلية والعربية أسبق إلى المتضررين من كثير من الأنظمة والمنظمات الخارجية المشبوهة، وهي لا تحمل في غالب الأمر أجندة خفية سوى ما كان من صدقات البر الخفية التي يقدمها الخيرون للفقراء والمحتاجين دون منٍّ أو أذى، ودون ابتزاز لاتخاذ مواقف سياسية ما كما هو الحال مع المنظمات الإجرامية الغربية التي هي في معظم عملها تقايض الغذاء بالدين أو بالتنكر للثوابت أو على الأقل تجير منّها باتجاه "المستعمرين"، وتعبد لهم الطريق باعتبارها طليعته وبيدقه الناعم.
والرئيس السوداني من ناحيته فاجأ العالم بأن ملياري دولار ترصدها المنظمات المطرودة من السودان لا يصل منها إلا نحو 100 مليون دولار للمتضررين في دارفور، وهو ما يعني أن المسألة الإغاثية هي آخر بند في أجندة تلك المنظمات المشبوهة، والتي طفقت المنظمة العدوانية (الأمم المتحدة) تهدد السودان بضرورة رجوعها لإكمال دورها "الاستعماري" المشبوه، إلى الحد الذي جعل متحدثاً باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يقول الجمعة "إن المنظمة ستبحث ما إذا كان قرار طرد منظمات الإغاثة يرقى إلى درجة جريمة الحرب."!!
نحن بطبيعة الحال، لم تفاجئنا لا هذه الأرقام ولا تصريحات الناطق المجهول، لأن هذا هو المتوقع من منظمة مجرمة حرب كهذه تاجرت بالأعضاء البشرية في البوسنة والهرسك وشاركت في جرائم الاغتصاب في هذا البلد البائس وغيره من الدول بما فيها الإفريقية، ونعرف عن يقين أنها منظمة لا تختلف كثيراً عن منظمات الإرجون وشتيرن والهاجاناه وبارجيورا وهشومير الصهيونية التي برزت قبل الكيان الغاصب، إذ إنها حين شاركت بصمتها المريب على المجزرة الحارة في غزة قبل أقل من شهرين تنتفض كل ساعة لتهديد بلد إسلامي وعربي آمن بدعاوى ساقتها إليه منظمات يفترض أنها مستقلة وليست رسمية، ثم تتوعد السودان عبر هذا التصريح الشاذ بسبب طرده منظمات غير حكومية بموجب سيادة حكومته على أرضه، وهو ما لا تعيره هذه المنظمة الألعوبة في يد الأمريكيين والأوروبيين.
لم نستغرب لهذا الموقف الأرعن وغير المسؤول من هذه المنظمة "الاستعمارية"؛ فذاك منها هو المتوقع لاسيما وقد صمتت على إقفال كل المعابر الصهيونية ومنع الإغاثة الخارجية عن أهل غزة طوال أيام الحرب، وقبلها وبعدها، ولم يسمع لها صوت عن جرائم حرب تعرض بشكل حي على شاشات التلفزة، ولم نستغرب هذا الرقم الإغاثي الهزيل طوال هذه السنوات وبوسع أي دولة عربية ميسورة أن تسد هذه الثغرة في أمننا القومي فضلاً عن حاجة فقرائنا.
لكن ما يثير تعجبنا حقيقة، أن هذا الرقم الذي يعد ثلث مبلغ رصد لملياردير خليجي كصداق لمغنية شيعية لبنانية في خطبة لم تتم، هو ما يعجز العرب عن أن يقدموه لفك أسر السودان من محنته!!
إن الضغط الحالي على السودان يؤذن بوقوع، ليس منابع النفط الدارفوري فقط في أيدي الأمريكيين والأوروبيين، وإنما الأخطر، منابع النيل في أيدي حركات الجنوب المرتبطة بـ"إسرائيل"، وربما انتخاب رئيس "مسيحي" كذلك.. والسبب يتعلق في جزء منه بمنظمات الإغاثة، ويمنح الأعداء ذريعة قوية لاستهداف السودان.. كل هذا ولم تعِ دولنا بعد أن منظمات الإغاثة الإسلامية التي لا تحمل أجندات خفية، ولا أطماع استعمارية، هي جزء من أمننا الإسلامي والعربي، وأن لجمها على هذا النحو مفضٍ إلى مثل هذه الثغرات والمآسي والجراح التي لا تندمل أبداً في جسد الأمة الإسلامية؟!
ألا يدرك هؤلاء القوم أن العمل الإغاثي الغربي إذا ما نجح في دارفور فلن تكون هناك ذريعة للتدخل لأنه لن تكون هناك أزمة بالأساس، وبالتالي فلا مصلحة ـ ببساطة ـ لمنظمات الإغاثة في الإغاثة!!
إن الإغاثة الغربية هي إحدى بيادق "الاستعمار" التي لابد من الانتباه لها، ومن ثم فلا محيص من استبدالها بإسلامية أو عربية أو وطنية، وإلا فالسودان لن يكون آخر ضحايا جهلنا السياسي المركب..